يوسف أبولوز الغرب الأوروبي بأدبياته السياسية تحديداً وراء ظهور مصطلحات سائدة مثل مصطلح «العصا والجزرة». العصا ترمز إلى العقاب، والجزرة ترمز إلى المكافأة، وفي قلب هذا المصطلح ثمة ما يسيء إلى الكيانات والأفراد والدول التي تعاقب بالعصا، وتكافأ بالجزرة. وراء هذا المصطلح الذي يستخدم اليوم تجاه بعض بلدان العالم عقول فكرية بالدرجة الأولى، فالمفكّر وتحديداً المفكر السياسي يصبح خادماً ثقافياً للسياسي أو يتماهى معه حتى يذوب فيه. قبل سنوات ظهر مصطلح «صدام الحضارات» على يد مفكر أمريكي هو صموئيل هنتنجتون (1927-2008) البروفيسور في جامعة عريقة هي «هارفارد» عندما خرج إلى العالم بنظريته السياسية هذه، وأكثر من تعلّق بها وتبنّاها زعماء وسياسيون وحزبيون ذوو اتجاهات إيديولوجية مختلفة، وكان ذلك في أوائل التسعينات (1993) العقد السياسي الذي سيشهد الكثير من التحوّلات الدولية على أكثر من صعيد، لكن المصطلحات تبدأ شابّة برّاقة ثم تأخذ، مثل البشر، في التقدم في العمر، وتفقد براهينها وحيثياتها المعرفية، فلا تعود صالحة للاستعمال، والمفكر السياسي الذي يوظف نفسه خادماً إيديولوجياً للسياسي لا يجد ما يفعله بعدما تجفّ نظريته وتتحول إلى رماد. في العام 2005 سيتعرف العالم إلى مصطلح جديد هو «الفوضى الخلّاقة»، ولكن هذه المرّة لم يكن وراء هذا المصطلح مفكر سياسي ظل للسياسي، بل أطلقته كونداليزا رايس التي كانت آنذاك وزيرة الخارجية الأمريكية، والمصطلح، كالعادة، تهافت عليه المنظّرون العرب وغير العرب، وأكثر ما دعا إلى هذا التهافت ذلك التناقض أو تلك المفارقة في المصطلح نفسه (الفوضى الخلّاقة)، فكيف تكون الفوضى أياً كان نوعها خلّاقة ومفيدة أو عميقة؟ وهكذا لم يعش المصطلح طويلاً وإن كانت ذيوله وكارثياته تتمظهر اليوم في الكثير من المناطق الساخنة في العالم. من أغرب المصطلحات أيضاً مصطلح «دبلوماسية المثانة» عندما يعمد طرف مُحاور إلى إجراء محادثات طويلة شاقّة تجبر الطرف الآخر على الموافقة أو على الأقل شبه الموافقة عندما تمتلئ مثانة ذلك الطرف بالماء، وهو أسلوب «سادي» ينطوي على شيء من الدهاء، ومن أغرب المصطلحات أيضاً ما أشارت إليه الكاتبة العراقية لطفية الدليمي وهو «ما بعد الإنسانية»، ورأت أن هذا المصطلح قد يحيل إلى مصطلح آخر هو «نهاية التاريخ» الذي وضعه المفكر الأمريكي من أصل ياباني فوكوياما. تولد المصطلحات كبيرة، ومع الزمن تصغر وتصغر حتى تتحول إلى فوضى ليست خلّاقة. yabolouz@gmail.com