المقاهي تموت كما البشر

  • 8/4/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قبل مدة قصيرة قرأت مقالة حارة للشاعر العراقي هاشم شفيق يتحدث فيها عن مقاهي بيروت وتلك المطارح والشوارع التي عرفها، وعاش بشاشة الحياة فيها، وهو من العشاق الكبار للبنان الذي يستلقي على شاطىء البحر فيه، ومن هوائه وحجارته تولد القصائد المطرزة بالأخضر والأزرق المشتقين من البحر والجبل. المقاهي تولد وتموت تماماً كالبشر، بل المقاهي العريقة تمر في دورات من الحياة تشبه دورة الحياة عند الكائن البشري: طفولة، وصبا، ومراهقة، وشباب وعنفوان، ورجولة ونضج، وكهولة، ثم موت. ليست بيروت وحدها من ماتت فيها بعض المقاهي، وخاصة مقاهي شارع الحمراء، بل ماتت الكثير من المقاهي في دمشق وبغداد وعَمّان، ودعني أتحدث عما أعرفه، لأخبرك شيئاً عن مقاهي عَمّان في أواخر سبعينات القرن العشرين وأوائله، ومنها مقهى يسمى السنترال في قلب المدينة تماماً تطل شرفاته المكشوفة للهواء على شارع السلط الذي يمر كالشريان البشري في قلب العاصمة الأردنية، كما تطل تلك الشرفات، وهي قليلة على عدد من أكشاك الصحف والمجلات والكتب. وفي الشارع نفسه يقع مطعم القدس، من صينية الكفتة إلى المنسف، وإلى جوار المطعم ثمة محل لبيع الحلويات.. كنافة نابلسية وأخواتها في ذلك الزمن الحلو. رواد مقاهي الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانوا إما يساريين أو قوميين أو ناصريين، وبعضهم بعثيون إلى جانب أطراف أيديولوجية وفكرية، لكن الجميل آنذاك أنه لا وجود لطائفي أو مذهبي متعصب، أي إن المقهى كان أشبه بالمنتدى الثقافي اليومي، وبالطبع كان لنا، نحن الشعراء،نصيب في أواسط الثمانينات من المقاهي، وعلى مقاعد القش والليف نفرد أوراقنا ونكتب شعر التفعيلة غير بعيدين عن أعدائنا الجميلين شعراء قصيدة النثر. وفي المقهى يجلس رسام أو مسرحي وقد أطلق أحدهما لحيته على طريقة ماركس، وعندما انهار الاتحاد السوفييتي سمعنا عمن دخل المصحات النفسية، لكن الحضور الأبرز كان للسياسيين، وهؤلاء ليس بالضرورة أن يكونوا منتمين إلى منظمات أو أحزاب سياسية، بل هم، إن أمكن القول سياسيون شعبيون أو درجة رابعة وفي رأيي أنهم كانوا الأنظف والأصدق، فقد كانوا يثرثرون بعد نكسة يونيو حزيران بإحباطات نفسية حادة لكنهم لم يكونوا مرضى، وفي بيئة المقهى أيضاً، تلوح فلسطين، وتسمع من يتحدث عن عبد الناصر، والوحدة العربية الكبرى، والى آخر تلك الحكاية المعروفة. نعم تموت المقاهي بعد موت روادها، إذ يحدث أن يمر اثنان أو ثلاثة على الأكثر على مقهى بعينه. يقول أحدهم: هنا جلست وكتبت وبكيت. هنا ذات يوم كانت ثمة حياة تطل على الحياة. نعم الكتب ما زالت ترفرف على الأكشاك، والمقاعد تقدمت في العمر، واكتهلت القهوة، ونام النادل على يده مخفوراً بالليل. yosflooz@gmail.com

مشاركة :