قال الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة بجامع الخير: إن مما اهتمت به شريعتنا الغراء هي تقوية العلاقات بين المسلمين، والدعوة إلى التواصل والترابط الاجتماعي، وتعزيز أواصل المحبة والقربى والأخوَّةُ في الدين، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات: 10، وجاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا»، وَيُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وهو يقول: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُه« «مسلم»، فدين الإسلام دين شامل كامل، صالح لكل زمان ومكان، لذلك قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا) المائدة: 3، فاحتقار المسلم، وانتهاك حرماته، والتعدي على حقوقه وممتلكاته ليست من الإسلام في شيء. لقد حذر الله تعالى من إيذاء المؤمنين فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب: 58، كالاعتداء على الأموال والممتلكات والحُرُمات، أو السب والشتم والسخرية والتطاول والتحريض ونشر الأكاذيب وغيرها، وقد أكد رسول الله أهمية نبذ كل تلك الصفات وتأكيد أواصر العلاقات بين المسلمين، فقال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». لقد صعد رسول الله يومًا على المنبر فنادى بصوت رفيع: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إلى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يتَّبِعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ يتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِه»، وأكد ذلك بقوله: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» (متفق عليه). إن أعظم الأذية حين تكون للجار، فالجار له حق عظيم، فعن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُه»، وعنه كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»، وفي الحديث المتفق عليه: «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جارَهُ»، وعن أبي هريرة قال: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قال: «هِيَ فِي النَّارِ». إن من أعظم مقاصد الشريعة، ومن أهداف الإسلام الكبرى أن يؤلف بين القلوب، ويوحد الصفوف، ويجمع الكلمة، ويزيل أسباب الخلاف والشقاق، ويرأب الصدع، وإذا لم تتحقق تلك فلنعلم بأننا ما ألتزمنا بتعاليم الإسلام، وما سرنا على هدي نبينا محمد، يقول تعالى ممتنًّا على هذه الأمة: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ ألف بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الأنفال: 63، فقد جمع الله بين بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وأبا بكر وعمر وعثمان وعلي القرشيين، فالله ألف بينهم إنه هو العزيز الحكيم. إن الإسلام حريص على تعزيز أواصر المحبة والأخوة بين أفراد المجتمع مما يمنحه قوة وتماسكًا، ويعزز الترابط بين المسلمين، لذا تأتي أهمية مراعاة حقوق الجار، والجار له ثلاثة حقوق، حق الجيرة، وحق القرابة، وحق الإسلام، وأعلاهم من يجمع تلك الحقوق، فيشمله البر والأحسان أكثر من غيره. لذا نوصيكم -عباد الله- بحقوق الجار فإنها من علامات الإيمان وأهداف الإسلام، ومن أعظم مقاصد الشريعة الغراء. ومن المؤسف أن بعض الدول تغفل عن مقاصد الشريعة الإسلامية، فتتعدى وتستبيح حقوق الجار، فتستهدف ممتلكات وأرواح بشعارات كاذبة، وبالأمس تم استهداف مبنى سفارة البحرين في العراق، في أعمال إرهابية وإجرامية مدفوعة من إيران، وهو عمل مرفوض ومستهجن ومخالف للاتفاقيات الدولية وفي مقدمتها اتفاقية جنيف للعلاقات الدبلوماسية الموقعة في عام 1961م. يعلم الجميع أن العراق اليوم يشهد وجود المليشيات الإرهابية على أرضه، وفي مقدمتهم الحشد الشعبي المدعوم من إيران، لذا ليس بغريب أن تقوم المليشيات الموالية لإيران بالتعدي على مبنى الدبلوماسية البحرينية، وجميعها تنظيمات موالية لإيران وتحاول إشغال العالم بمثل هذه الأعمال، فسجل النظام الإيراني منذ ثورتها في عام 1979م وهو حافل بنشر الفتن والقلاقل، والتدخل في شؤون الدول العربية من منطلق «تصدير الثورة الإيرانية»، فالعراق اليوم أصبحت الملاذ الآمن لتلك الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران. إن الاعتداء السافر على مبنى سفارة البحرين بالعراق يؤكد السياسة العدائية التي تنتهجها إيران من خلال أذرعها الإرهابية بالعراق، ما يستوجب التصدي لها وإفشال مخططاتها. فاتقوا الله -عباد الله- واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، واحذروا عدوكم في الداخل والخارج.
مشاركة :