قال الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة بجامع الخير بقلالي، ليس بخافٍ عليكم ما تشهده الأمة الإسلامية من تكالب الأعداء عليها، ومحاولة سلب مقدرات شعوبها حتى أصبحت بعض الدول العربية رهينة بعض المعسكرات الإرهابية، ورغم تلك الصورة القاتمة عن الأوضاع بالمنطقة فإن الأمة لا تزال تملك بفضل الله مقومات أساسية تجعلها في مواقع التأثير. إن الذي يبعث بالأمل في هذه الأجواء ويدفع بالأمة إلى النهوض من كبوتها واستعادت حقوقها وسيادتها على أراضيها هو اجتماعه الأخير في الأراضي المقدسة، بمكة المكرمة، في ثلاث قمم، خليجية وعربية وإسلامية، جميعها جاءت لتؤكد حقيقة لا تقبل المكابرة، وهي أن النظام الإيراني يسعى إلى إشعال المنطقة والدفع بها إلى أتون صراع إقليمي بائس. إن الأوضاع الحالية وما تشهده المنطقة تستدعي المراجعة الجادة، والمتابعة الحثيثة للأعمال الإرهابية في مياه الخليج العربي وبحر عمان، مراجعة شاملة لمقومات الأمة ومواطن قوتها وسبل مواجهة عدوها الأول (إيران). إن من أبرز مقومات الأمة ومصدر قوتها وعزها، كتاب الله وسنة نبيها محمّد، فالقرآن والسنة هما المنهج الدستوري لهذه الأمة في تشيد حضارتها القائمة على الأمن والاستقرار والعدل والمساواة، قال تعالى في محكم التنزيل: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) [طه: 123- 124]. ومن مقومات هذه الأمة هي الطاقة البشرية الهائلة، فالمسلمون يمثلون ما يقارب ربع سكان العالم، باختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم وقومياتهم، من مشرق الأرض إلى مغربها، جميعهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لذا يتمسك المسلمون بآيات الله، قال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103]، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ ألف بَيْنَهُمْ) [الأنفال: 62- 63]. إن من أبرز مقومات الأمة التماسك الاجتماعي، فالمجتمع الواحد يجب أن يتماسك ويترابط في لحمة شعورية كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا، وخاصة في زمن الفتن والمحن التي تثار النعرات فيها، فهذه الأمة يجب أن تقفز على الفروق والاختلافات، وتزيد من لحمتها وتماسكها، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10]، ويقول : «المؤمِن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا». إنَّ الدين والقيم والمبادئ الرفيعة والإقناع والمجادلة بالتي هي أحسن، هي التي تواجِه ثقافةَ القوّة والعنف والإرهاب، بهذه العقلية التي يسبقها الإيمان بأن هذا الدين هو الخاتم والمهيمن، فإن العاقبة للمتقين وأنّ العزة لله ولرسولِه وللمؤمنين، ولكن يجب أن نلتزم بالتوجيه الإلهي، قال تعالى:(وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46]. يجب الالتزام بمسلك الوسطية والاعتدال، فدينُ الإسلام دين الحنفيّة السمحة، لا مكان فيه للكراهية والأحقاد والضغائِن والبغضاء، والمحبة والرفقَ وحسن الخلق والعفو والصفحَ وحسن الظنِّ هي الضمان بعد الإيمان بالله لصلاحِ الأمة واستقرار المجتمَع وأمان الوطن. يجب أن تسودَ المحبة والتسامح، وتتَّسع الصدور لسماع الرأيِ الآخر، وإعطاءِ حقّ الاختلاف في النقاش، والحوارِ البنّاء وقَبول الحق ممن جاءَ به. لا يخفى عليكم تكالب الأعداء على أمة الإسلام، مؤامرات تحاك ضد الأمة ومجتمعاتها وشعوبها، تستهدف أمنها واستقرارها وسيادتها، وقد استخدم أعداء الأمة وسائل شتى لشق الصف وإحداث الفتن وزعزعة الثقة، ومن ذلك ما تزخر به وسائل الاتصال وأدوات التواصل، رسائل مكذوبة، وقصص مفبركة، واتهامات مختلقة، فسريانها أسرع من النار في الهشيم، ما يوجب أخذ الحيطة والحذر، ناهيكم بالمواقع المشبوهة التي تدعمها إيران وأتباعها بالمنطقة، فيستهدفون الحكام والعلماء والمثقفين والساسة، فيتصيدون الأخطاء وينشرون العثرات بالإضافة إلى بعض التعليقات الساخرة، كل ذلك لزعزعة النفوس واضطراب الرؤى. فالحذرَ الحذرَ عباد الله، وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة، وعليكم بالتمسك بالدين القويم ولزوم الجماعة، فالجميع في سفينة واحدة ينجون جميعا أو يغرقون جميعا، فالجماعة رحمة، والفرقة عذاب.
مشاركة :