يخوض رئيس وزراء إقليم كردستان العراق المكلف مسرور البارزاني، سباقا ضدّ الساعة لتشكيل حكومته، قبل الثاني عشر من يوليو الجاري موعد انقضاء المهلة الدستورية الممنوحة له لاستكمال كابينته الوزارية. واستفاد مسرور من السلطة الواسعة التي تتمّتع بها أسرته في الإقليم ومن هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني على البرلمان، للصعود بسهولة إلى هذا المنصب التنفيذي الكبير، لكن تشكيل الحكومة يظلّ خاضعا لمبدأ المحاصصة المعمول به في الحياة السياسية بالعراق ككلّ، ما يعني ضرورة توافق الحزب الديمقراطي بقيادة آل البارزاني مع باقي الأحزاب وعلى رأسها ثاني أكبر حزب في الإقليم؛ الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني، على المناصب وكيفية توزيعها قبل تشكيل الحكومة. وتمكّن الحزبان الديمقراطي والاتحاد الوطني من تذليل الكثير من الصعوبات من طريق تشكيل حكومة جديدة لكردستان العراق، لكنّ العقبة التي توقّفا عندها هي منصب محافظ كركوك إحدى أثرى محافظات العراق بالنفط وهو العامل الذي جعلها دائما مدار صراع متعدّد الأطراف للسيطرة عليها، سواء تعلّق الأمر بالنزاع في شأنها بين الإقليم والدولة المركزية العراقية، أو الصراع الكردي- الكردي عليها، أو تنافس الأعراق من عربية وكردية وتركمانية للظفر بدور في إدارتها. وأمل مسرور البارزاني في تشكيل حكومته قبل الثلاثين من يونيو الماضي موعد انتهاء الفصل التشريعي الحالي ودخول برلمان الإقليم في عطلته السنوية، لكّنه لم يتمكّن من ذلك مما حتّم اللجوء إلى تمديد الفصل التشريعي أسبوعين، وهو المقترح الذي صوّت عليه النواب بواقع 84 عضوا من أصل 111 نائبا. ويتمسّك قادة الاتحاد الوطني بحصول حزبهم على منصب محافظ كركوك ويعتبرون ذلك “جائزة” مستحقة لهم لا يمكن أن يتنازلوا عنها بعد أن سمحوا بحصول الحزب الديمقراطي على المناصب القيادية الثلاثة في الإقليم، منصب الرئيس الذي آل إلى نيجيرفان البارزاني، ومنصب رئيس الحكومة الذي ذهب إلى مسرور البارزاني ومنصب رئيس البرلمان الذي حصلت عليه فالا فريد. وتحدّثت مصادر سياسية كردية مؤخّرا عن تقارب في وجهات نظر الحزبين بشأن اختيار محافظ جديد لكركوك لفتح الطريق أمام تشكيل حكومة للإقليم، لكن آثار ذلك التقارب لم تتجسّد بالفعل. وقال عضو قيادة الحزب الديمقراطي دلشاد شهاب في مؤتمر صحافي مشترك عقد إثر اجتماع للحزبين في مدينة السليمانية “تحدثنا خلال الاجتماع عن اختيار محافظ كركوك وتطبيع أوضاع المحافظة”، مضيفا “ما تحقق يمثل خطوة جدية وآراؤنا متقاربة جدا بشأن اختيار محافظ كركوك، كما أن هناك تفاهما واضحا حول تطبيع أوضاع المحافظة”، مشدّدا على وجوب “أن يكون محافظ كركوك مرشحا مشتركا من الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي وكل مكونات كركوك”. كركوك تمثّل لآل البارزاني الذين أصبحوا عمليا مسيطرين على مقاليد الحكم في كردستان أساسا لحكم ناجح ولعهد مزدهر ويسعى أكراد العراق إلى استعادة الوضع الذي كان قائما في محافظة كركوك قبل الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان الذي تمّ تنظيمه دون موافقة الحكومة المركزية في خريف سنة 2017 وردّت عليه بغداد بجملة من الإجراءات الحازمة من ضمنها طرد قوات البيشمركة الكردية من المحافظة والإطاحة بالمحافظ الكردي نجم كريم. ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ أسرة البارزاني التي خاضت بقيادة مسعود البارزاني معركة استقلال إقليم كردستان العراق وحاولت تحقيق ذلك باستغلال الظروف التي حفّت بالعراق منذ سنة 2014 مع سيطرة تنظيم داعش على ما يقارب ثلث مساحته وبروز دور قوات البيشمركة في التصدي للتنظيم، بصدد تحويل معركتها صوب كركوك “القطعة” الأثمن في منظومة المناطق المتنازع عليها. وبالنسبة لآل البارزاني الذين أصبحوا عمليا مسيطرين على مقاليد الحكم في الإقليم، تمثّل محافظة كركوك أساسا لحكم ناجح وعهد مزدهر بما يمكن أن توفّره من موارد مالية عبر الثروة النفطية الكامنة في أراضيها. ولا يزال أكراد العراق يطمحون إلى ضم كركوك لإقليمهم ويتمسّكون لأجل ذلك بالمسار الذي تمّ ضبطه بعد سنة 2003 وتم التنصيص عليه في الدستور العراقي الحالي. وأثار مسرور البارزاني هذه القضية مجدّدا خلال لقائه الثلاثاء في أربيل بالممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هینیس، حيث أكّد على ضرورة قيام المنظمة الأممية بدور في حل المسائل العالقة، ومنها تطبيع أوضاع كركوك. وأفادت حكومة الإقليم أن اجتماع البارزاني مع هينيس تناول بالبحث آخر التطورات في العراق والمنطقة، وعملية تشكيل الكابينة الوزارية الجديدة في إقليم كردستان العراق والعلاقات بين أربيل وبغداد وأوضاع المناطق المشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي.
مشاركة :