كانت الحرب العالمية الأولى، قد خلفت وراءها أكثر من 36 مليون ضحية. وكان نصيب بريطانيا العظمى لوحدها أكثر من 3 ملايين بين قتيل وجريح وأسير ومفقود. أمَّا الكاتب البريطاني الشهير آرثر كونان دويل، مبدع شخصية شارلوك هولمز، فكان نصيبه في هذه الحرب أن قتل شقيق زوجته مالكولم ليكي في الانسحاب من مونز في عام 1914، وفقدت ليلي لودر سايموند، وهي صديقة حميمة لأسرته، ثلاثة أشقاء لها، وأصيب ابنا شقيقتيه أوسكار هورنانغ وأليك فوربيس، برصاصات في الدماغ، كما قتل صهره ليسلي أولدهام برصاصة قناص في أول يوم له في الخنادق. ثمَّ أصيب ابنه الأكبر كنغسلي، بالضعف بفعل جرح في الحنجرة، ومات بالانفلونزا عام 1918. وبعدها بأربع سنوات، مرض شقيقه المرح أينيس، وسقط ضحيةً للانفلونزا أيضا، بعد أن قاتل بامتياز طوال الحرب.لقد أحسَّ الكاتب الشهير، أن نظرته للحياة تزعزعت بشدَّة، وهو يشاهد الموت يخطف أرواح الناس، وما برح يفكِّر هل يعقل أن تنتهي كل هذه التضحيات إلى الفناء؟! لماذا يستجيب الناس إذن لشرائع الشرف فيضحُّون بأنفسهم في سبيل أوطانهم ومعتقداتهم؟! وقد تعزز لديه الشعور بالحاجة للإيمان بالروح كدليل على استمرارية الحياة، وهو الذي عاش حتى فترة رجولته المبكرة، مشككا في كاثوليكية آبائه، معتنقا مذهبا ماديا، قريبا من الإلحاد، فوجد عزاءه في الاعتقاد بوجود عالم للأرواح، خلف القبور. آمن دويل بفكرة تحضير الأرواح، وبمقدرة الوسطاء الروحانيين، وامتلاكهم قدرات خاصة، حتى أنَّه وضع كتابا أسماه (تاريخ مذهب تحضير الأرواح)، عرض فيه خبراته في هذا المجال. وفي كتابه الثاني (حافة المجهول) تحدث عن ميت عجوز حلَّ بجسم الوسيطة فمسخه وشوَّهه، ثم شاركهم في تناول الخبز والشاي. وعندما انتشرت قصة جنيات كوتنجلي في العام 1917، آمن دويل بها، وألف كتابا بعنوان «الجنيات قادمات» لتأكيد القصة، سعى فيها لإثبات وجود كائنات سحرية تظهر لعدد قليل من الأشخاص المختارين، وظل مؤمنا بوجود الجنيات حتى وفاته.وبعد وفاته عقدت جلسة تحضير أرواح لدويل في «رويال ألبرت هول»، حضرها الآلاف مع عائلته، وعلى رغم أنه لم يظهر، قال البعض أنهم شعروا بوجوده بينهم.
مشاركة :