انطلاقاً من الزمن الماضي يرى أرسطو أن الزمن فعل واحد وشيء متصل بسبب اتصال الحركة: لأن الحركة والزمان لابداية لهما ولا نهاية، فيما أخبر أبو العلاء المعري، بأن الزمن أزلي أبدي أي لا بداية لوجوده ولا نهايه ونجد ذلك في أشعاره: نزول كما يزول أجدادنا ويبقى الزمان على ما نرى نهار يضيء وليل يجيء ونجم يغور ونجم يرى ولو ركن الإنسان إلى أقوال الفلاسفة ومعرفة الزمن فلسفياً لتشعبت المحاولات وتنوعت محاور الإحداثيات الفراغية لتعامد الزمن على فراغ الأبعاد الثلاثية، وارتبطت المفاهيم بالنظريات النسبية، ولاقتنع الكثير أن بالنظر المجرد يجد أن للزمن خاصية الاطراد والتتابع والاتجاه الواحد في مفهوم الفيزياء والعلم الرياضي، وأدرج هذا العلم بعض التعارض مع مفهوم نسبية الزمن لما له من تأثير في الحياة المعاصرة والتناقض لهذا التأثير بين الإنسان والوقت على الرغم من أن التعارض نفى صفة الفصل بين المحدودية واللانهاية للزمن. بيد أن موضوعية الزمن الماضي أكثر من ضرورة الحاضر بمعنى أن الفصل بين الذات والموضوع تختصر كل التحولات التي يحملها الزمن للإنسان، بحيث يحتفظ في أعماقه بصورة طفولته وشبابه فهذا العنصر لا يشيخ ولا يهرم في شعوره ومخيلته، فكل الحوادث السابقة تحمل أثراً لا يصلها النسيان وتبقى تلك الذكريات هي الحقيقة التي تشكل تاريخ وحاضر الذات ولا تخضع إلى الآلية الحاضر مهما تسارع زمانها واختفت معظم المفاهيم التي ازدوج إدراكها للحاضر. فإذا كان من الصعب وضع قيمة لإنسان اليوم بدون التقنية الحديثة في ضوء التحولات وتغذية المستجدات، فإن تسارع الزمن بلا شك ساهم في تطوير الآلة والإنسان، على عكس الماضي فإن الإنسان عاش خارج إطار الزمن واستمد من الظواهر وجوده ومعقوليته. فمتى انكشفت علاقة إنسان اليوم بزمن الماضي تأكد نضجه ووعيه وربط بين الأزمنه بكل إيجابية لم يتنكر لزمن دون آخر، فإن الحاضر امتداد للماضي واستمرار للمستقبل، فالسؤال هنا يعد استفهاماً للفكر ويتطلب معرفة حقيقية لا ينبغي الخلط بين الحجة والبرهان إذا ما أردنا عرض إنسان الماضي وزمانه ورهانه، وإنسان الحاضر وطرقه المتنوعة وحججه وعروضه المستقبلية، علماً أن البرهان يظل ضرورياً وكونياً وغير قابل للنقاش في حين تتميز الحجة بقابليتها للدحض والنقاش. إذن، يسكن الماضي في العقل الباطن وهذا جعل العلاقة وثيقة تزداد ثنائية وترابطاً حتى دُمجت الأصالة بالمعاصرة، وعكس ذلك استمرار العادات والتقاليد في المجتمعات العربية على وجه الخصوص ودعت إلى توازن الفكر العربي فضلاً عن نسبية القيم الأخلاقية من مجتمع إلى آخر. ولابد من الإشارة إلى أن الزمن الماضي هو مصدر التاريخ وسجلاته وأحداثه فكان اكتشاف النار بمثابة نقطة تحول في الجانب الثقافي للتطور البشري وظهر ذلك في السلوك الإنساني سواء في مظاهره الخارجية أو في عالمه الداخلي، مما سمح بإشعال النيران لطهي الطعام والحماية من الحيوانات المفترسة أثناء الليل، فقد كان المصريون القدماء من أوائل الشعوب المكتشفة ثم أتت آسيا وأوروبا بعدها، وفي تقدير التاريخ ان الزمان يجبر الإنسان أن يظل وريثاً للماضي واكتشافاته، وتتم هذه العلاقات كمؤطر للأسباب ونوعية الظروف والنتائج ومستقبل الإنسان على الأرض الذي تحدده الابتكارات والتقنيات.
مشاركة :