عبد الرحيم سالم.. فنان يتنفس الأسطورة

  • 7/7/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: عثمان حسن هو، ومن دون شك، رائد من رواد الفن التشكيلي في الإمارات، اسم له رنة في صياغة المشهد التشكيلي، وله بصمة واضحة في كثير مما أنجزه من أعمال لا تزال حتى اليوم، تثير لدى النقاد ومتابعي الفنون في الإمارات والخليج والوطن العربي، الكثير من الثناء، خاصة مع عمق هذه التجربة، وقدرتها في كل مرة على طرح أسئلة جديدة.. إنه الفنان عبدالرحيم سالم عاشق «مهيرة» وراصد تحولاتها عبر الزمن، منذ كان فتى صغيراً يروق له أن يبحث في الدروب والزوايا عن سحر ودهشة ما هو موجود وقائم، خلف الصورة، والبحر، والشجرة الطالعة أمامه، لتلقي عليه تحية، وسؤالاً، وحكاية مع اللوحة واللون والتعبير والتجريد، ولترسم مسار خططه الآنية، وتلقي ببعضها في البحر، ثم تعود لتنتشلها من جذر الحكاية، ومن عمق الأسطورة.. قصة، ورحلة، وفكرة، وتاريخ، ودهشة، ومخيال فني بارع في توظيف رشاقة الريشة، ولمعة اللون، الذي يتدرج، ويتمازج، ويشف، حسب بريق فكرته في الحكاية، وحسب تحوله في اللحظة، ومن خلال مساراته في الارتقاء والتجلّي. ليس ما ذكر، سوى صورة منعكسة، لطفولة، وأشياء، وبراءة، وشغب عبد الرحيم سالم، الذي حين يعود إلى طفولته، كما صرح في أحد التحقيقات الفنية ل «الخليج» يتذكر مدرسته الإعدادية في البحرين، فيعود إلى ثلاثين عاماً إلى الوراء، إلى تلك اللحظة، ولنقل الفارقة، كانت البوصلة، وكانت التجربة، وكان المشوار مروراً بالثمانينات، حيث بدأت يده تعتاد الرسم وتألفه، وما بين الشارقة ودبي والبحرين، مسافات وأزمان، تنقل فيها دارساً، وراسماً، ومشاهداً، ومتأملاً، وتنوعت تجربته فجاءت «مهيرة»، لكنه قبل ذلك، ولتمتين موهبته بالدراسة، آثر أن يدرس الفن، وهذه محطة أخرى، فقد حصل عبد الرحيم سالم على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة من مصر، في تخصص بالنحت، وهي المرحلة التي أكدت له من جديد رجاحة وصحة خياراته، فلم يكن الفن لحظة عابرة، بل كان حقيقياً، ورومانسياً، وصورة، بل صوراً جسدت صدق خياراته وتوجهاته، فها هو يحصل خلال هذه المرحلة المفصلية في حياته، على المركز الأول ضمن مسابقة الطلائع في عام 1978، وهو الذي ترك أثره في حياته التي نشاهدها اليوم، في أعماله وجدارياته، ومنحوتاته، كما نكتشفه في ثنايا وتفاصيل اللون والأفكار وما تتضمنه من أشكال وألوان وانطباعات ومراوحة ما بين التجريد والتعبير، إنها صورة بانورامية، حيث الرسم وحيث «مهيرة» التي أصبحت أكثر من «موتيف» شكلي، بل حالة إنسانية عميقة، حضرت وتحضر، وما زالت تستعاد في كل مرة، في رسوماته، كأنها تفكر وتقول، وقد سبق وقال عنها سالم نفسه «إن سلسلة اللوحات التي أنتجتها عن «مهيرة» هي محاولة إنسانية صرفة لبعث حكايتها المؤلمة، وتحويل المنسي في هذه الحكاية إلى نمط بصري قابل للتأويل والتفاعل الإيجابي». هي إذاً، «مهيرة» الأسطورة، حاضرة بهدوئها، وصخبها وضجيجها، وحيرتها، وما تختزنه من أسرار، حاضرة كأنها «شهرزاد» الحكاية، على نحو شعري، وفني، كأنّ يده اعتادت «مهيرة»، بل كأن «مهيرة»، هي من توجهه نحو الرسم... هذا «الأثير» إلى قلبه.. الرسم الذي يتنفس من رئته، ليغدو جديداً، وساحراً، وهو يتنقل في الفناءات وفي الجدران، وفي اللوحات التي تكتنز بالخفة، والصراحة، والبراءة، في مرسمه الجديد في دبي، فيعيش، ويعيش زائروه، وأصدقاؤه، معه لحظات ماتعة ووجدانية، ومشتهاة. في سيرة عبد الرحيم سالم، أكثر من معرض فردي وجماعي في الإمارات والخليج والوطن العربي، وأيضاً خارج حدود الدولة، ولعل أول معرض جماعي أقيم في عام 1981 بقاعة إفريقيا في الشارقة، كما كُتب عنه قد «شكّل فيه سالم لغته الجمالية المتفرّدة، وأسلوبه التعبيري المستقل، في إطار يجمع بين التجسيم النحتي وإنتاج لوحات تشعّ بالمعنى وتفيض بالشجن، رغم المداراة اللونية التي يلجأ إليها لتحويل الغائب والمستور إلى حالة بحث متواصلة، وحنين يتشظى في مسارب روحية وعاطفية عميقة». تكررت معارض عبد الرحيم سالم، وتعددت، وتنوعت عناوينها ما بين «إمارات الرؤى» في عام 2017 التي استعادت مهيرة بالعاصمة الألمانية برلين، برؤية أكثر تجريدية مقارنة مع لوحاته السابقة، التي أنتجها بداية في العام 1993، «وكانت أقرب للدراسة اللونية والنفسية، واستعادة الملامح الغائبة في حكايتها الغرائبية، والمسكوت عن تفاصيلها».. مروراً بالرمز أو التجسيد من خلال الرمز، وصولاً لمعرضه الشخصي قبل نحو 6 سنوات، وهنا، كان المشاهد يتأمل دراسة في سحر وفلسفة مزج الألوان المشرقة، حيث يبرز سالم تداخلها باحتفالية تليق بمهيرة، وتحول مأساتها، وانكساراتها السابقة، إلى صيغة روحية مستقبلية فائرة ومتوهجة، تتجاوز النكوص والانهزام نحو النهوض والانتصار.. في مقاربة جمالية وفكرية واضحة، وهكذا توالت معارضه التي هي نتاج جهد معرفي وثقافي وفني، بما تطرح من أسئلة وجودية عميقة، تنحاز للحياة والإنسان. محطات بدأ عبد الرحيم سالم الرسم في عمر 12 عاماً، ذهب ضمن أكبر بعثة إلى مصر لدراسة الفن التشكيلي برفقة مجموعة من الرواد التشكيليين في الإمارات، حيث زامل د. نجاة مكي. نظم أول معرض على مستوى الدولة بإشراف جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في إكسبو الشارقة، ارتأى أن يختط تجربة خاصة به تنهل من الكتب القديمة التي لها علاقة بالأساطير والقصص وذلك لمدة 3 سنوات، وربطته علاقة متينة بالراحل حسن شريف هي رحلة إبداعية وثقافية هاجسها تطوير ذائقة الفن الإماراتي، انطلقت من بيت المدفع بسوق الشارقة، بهدف تسويق الفن عبر ما يعرف ب»الصدمة». لكن سرعان ما اختط سالم تجربته الشخصية بعيداً عن شريف، مروراً بما أبدعه، ولا يزال حتى اليوم، من نماذج فنية يترقبها الفنانون ومحبو التشكيل حيث يسجل اسمه في طليعة الرواد والمؤثرين الكبار في الساحتين المحلية والخليجية.

مشاركة :