تعد الإجازة الصيفية فرصة ذهبية للاستثمار في طاقات أبنائنا وبناتنا في مجالات مختلفة تناسب الميول والاتجاهات المتباينة لهم ولمختلف أعمارهم ومستوياتهم التعليمية، ويمكن خلالها بناء كثير من المهارات وتطوير القدرات وتوجيه الأفكار نحو المفيد والمثمر من البرامج والأعمال التي تساهم في استثمار تلك العقول النابضة، وتستوعب تلك الطاقات المهدرة، وتحتوي تلك الأوقات الضائعة التي تمضي من أعمارهم ومن سنوات الوطن في تحقيق منجزاته، وبالاستثمار المفيد؛ يمكن أن نجني جميعنا طرح الثمار اليانعة في الدفع بتنمية الموارد البشرية الوطنية، بما نتطلع إليه ونخطط له في برامجنا التنموية. وعلى الرغم من أن الإجازة الصيفية تعد متنفساً مطلوباً لجميع الطلاب والعاملين في التعليم وغيره، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر جميعنا كأسر وكأفراد حجم المعاناة والضغط النفسي والمادي الذي تشكله الإجازة الصيفية على كاهل الأسرة والمجتمع، بما تتطلبه من نفقات إضافية، وما تتضمنه من فوضى واضطراب في طبيعة النظام اليومي المعتاد خلال أيام الدراسة والعمل المنتظم، ناهيك عن ثمن الوقت الضائع المهدر من طاقات فلذات أكبادنا، لفترة تتراوح ما بين ثلاثة وأربعة أشهر من العام، أي بما يمثل ربع العام الزمني، وعليه فالتساؤل المطروح؛ ألا يستحق أبناؤنا أن نخطط لهم لتلك الفترة من العام؟، ألسنا نتطلع إلى تنمية مواردنا البشرية كأحد أهم مستهدفاتنا الوطنية المستدامة؟، ألا يتوارد إلى أذهاننا كيف سيقضي هؤلاء الأبناء أوقاتهم؟، ألم نستدرك أهمية احتواء أبنائنا بما يفيدهم في الصيف، بدلاً من الوقت الضائع بين المقاهي والاستراحات والأسواق وغيرها؟، ألا يتوارد إلينا أن ذلك الفراغ يمكن أن يدفعهم لسلوكيات سلبية قد لا تحمد عقباها ولا يمكن تداركها؟، أليسوا هم عدة المستقبل وقاعدته؟ إذن، لماذا لا نحسن الاستثمار فيهم في هذا الوقت الضائع منذ سنوات مضت؟ ألا يستحق هذا الوقت المهدر التخطيط والدراسة بنفس المستوى الذي يستحقه التعليم الجيد؟!. مما لا شك فيه أن استثمار الإجازة الصيفية لصالح أبنائنا هو مسؤولية مجتمع بما يتضمنه من قطاع خاص ومؤسسات مجتمع مدني، كما أنه مسؤولية مؤسسات رسمية معنية بالتنمية البشرية والاجتماعية لجميع أفراد المجتمع، والتي تتحمل النصيب الأكبر من تلك المسؤولية باعتبارها الحاضن الرسمي والاجتماعي لأبنائنا في جميع مراحلهم العمرية ومستوياتهم التعليمية، وتحتل وزارة التعليم ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية ووزارة الثقافة الصدارة في تلك المسؤولية الوطنية والاجتماعية. تعد المدارس بمختلف مستوياتها التعليمية والجامعات مراكز تربوية وتعليمية هامة للاستثمار، فهي تمثل البنية التحتية للأماكن المطلوبة والمناسبة لتوفير برامج مفيدة ومتنوعة ومنظمة لأبنائنا وبناتنا، كما تعد جميع الجهات التابعة لوزارة العمل والمعنية بالتنمية الاجتماعية من الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية والأندية الصحية وغيرها من الجهات التي تقع تحت مظلة الوزارة، معنية باستحداث برامج مفيدة ومتنوعة خلال الإجازة الصيفية، وتشرف وزارة الثقافة على الأندية الثقافية وغيرها من الفعاليات والمنتديات التي يمكن أن تزيد من نشاطها خلال فصل الصيف ببرامج متنوعة جاذبة ومفيدة لمختلف الشرائح العمرية. أما القطاع الخاص بمجالاته المختلفة، ومؤسسات المجتمع المدني سواء المتخصصة منها كالعلمية أو غيرها، فيمكنها كذلك المساهمة في إطلاق برامج مختلفة تدريبية وتوعوية تناسب مجالها، كتلك الهيئات المعنية بالبيئة والصحة والنشاطات التطوعية وغيرها بما يمكنها من استقطاب الطلاب وجذبهم لتلك البرامج المفيدة لهم وللمجتمع. وما يجدر التنويه إليه أن وزارة التعليم على الرغم من استثمارها الضعيف في بعض المناطق ولبعض المدارس وبعض الجامعات كنويات ومراكز صيفية هامة لاستقطاب الطلاب والطالبات، إلا أن تلك الجهود لا تُذكر أمام أهمية حجم الحاجة إليها، ومدى تأثيرها وفاعليتها، سواء في مستوى عطائها ونوعية برامجها وحجم استيعابها، أو في مدى حاجتها إلى التطوير والحداثة والتنظيم والتنوع في محتواها للارتقاء بمستوى بيئتها وأدواتها، والذي جعلها غير جاذبة لاستقطاب الطلاب بل وضعيفة في تأثيرها ومحصلتها المجتمعية المأمولة. أما وزارتا التنمية الاجتماعية والثقافة؛ فكلتاهما معنيتان بتوفير أندية رياضية ومنتديات ثقافية ودورات تدريبية وبرامج علمية متنوعة ومسابقات ورحلات تساهم في تنمية المهارات والتمكين من القدرات المختلفة، كما تعمل على تحفيز وبناء الحس الفكري والبدني الواعي المسؤول عن التنمية الذاتية والمجتمعية، ويمكن خلال تلك البرامج والمبادرات؛ توظيف الطلاب أنفسهم في الإدارة والتنظيم والإعلان والترويج لتلك البرامج عبر الوسائل المختلفة، كما يمكن الاستفادة منهم في تنوع المحتوى المطلوب والمفيد لتلك الشريحة. من البديهي أن تنفيذ تلك البرامج والمسؤوليات يحتاج لإدارة كفؤة ولتخطيط إستراتيجي ولنفقات مادية وبنيوية وخطط مدروسة ومتابعة مستمرة لمردودها، وتقييمها علمياً على مستوى كل منطقة ومحافظة، ولكن مما يجب أخذه في الاعتبار أهميتها التنموية العظيمة وطنياً، في تحقيق أهدافنا التنموية المستدامة فعلياً، والتي ينعكس مردودها إيجابا على النهوض بمواردنا البشرية من جانب، وعلى الحد من كثير من التحديات السلبية التي تواجهنا كمجتمع وكأسر في استثمار الإجازة الصيفية، وبما يعود بالنفع على أبنائنا في بناء عادات وسلوكيات مفيدة حول أهمية الاستفادة من الوقت في المفيد من الأعمال والبرامج المثمرة، وصدق المثل في قوله، الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ويقول ابن القيم: إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.
مشاركة :