طرحت مسألة النجاح اللافت للمنتخبات العربية المشاركة في أمم أفريقيا وفشل أخرى أو عدم إقناعها أسئلة محيّرة تباينت حولها رؤية المحللين والفنيين، لكنها صبّت في مجملها في خانة أن الخطة التكتيكية للمدربين أو ما يعبّر عنها كرويا بالخلطة السحرية للمدرب التي تظل الحلقة الأهم لكيفية اشتغال منظومة اللعب داخل الفرق أو المنتخبات، هي التي تفسر نسبة النجاح أو الفشل في أي مسابقة كروية يخوضها هذا الفريق أو ذاك. ولا حديث هذه الأيام في الشارع العربي والمغاربي سوى عن المنتخبات المتأهلة وتلك التي حجزت أماكنها في الصف الأول لمجموعاتها التي تنتمي إليها وحققت أرقاما قياسية بمحافظتها على شباك نظيفة طيلة مباريات الدور الأول، فيما يركز شق ثان من المحللين ومتابعي كرة القدم العربية على المدربين وما قدموه من خيارات تكتيكية واختيارات فنية للنهوض باللاعبين وحجز ورقة الترشح. وكثيرا ما تتخلل المسابقات القارية مثل بطولة أمم أفريقيا الدائرة منافساتها بمصر حلقات نقاش وتحليل لمردود المنتخبات ومستوى الفنيين وطريقة لعب اللاعبين وغيرها من المواضيع التي تطرح على الموائد المستديرة للمحللين والفنيين. تأكيد.. ولكنرغم التأكيد الذي أظهرته معظم المنتخبات العربية المشاركة في هذه النسخة بمصر في الدور الأول، باستثناء تونس، حيث تمكنت أربعة من أصل خمسة مشاركة من حجز بطاقات عبورها للدور الثاني، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود بعض الملاحظات والانتقادات التي طالت هذا المدير أو ذاك، فيما رفّع بعض الفنيين من أسهمهم لدى معظم المتابعين للبطولة. ويتعلق الأمر تحديدا بالمدرب الجزائري جمال بلماضي، الذي أظهر قدرات تكتيكية وأعاد الكرة الجزائرية إلى سالف عهدها وذكّر بأجيال مضت كان لها نصيب الأسد في تتويج الجزائر قاريا. ولا يختلف بلماضي كثيرا عن المدير الفني للمنتخب المغربي هيرفي رينارد الذي أظهر هو الآخر قدرات كبيرة وصنع من العناصر المغربية المتوفرة لديه مجموعة متماسكة رغم انسحابه أمام البنيين الجمعة بركلات الترجيح (4-1) بعد انتهاء المقابلة بشوطيها الإضافيين على نتيجة (1-1). وتلقى رينارد مدرب منتخب المغرب إشادة النقاد والمدربين بعد النتائج الملفتة التي سجلها منتخب المغرب. وقال عبدالرحيم طاليب مدرب الجيش، إن بصمة رينارد كانت حاضرة في المباريات، مشيرا إلى أنه استطاع أن يقود الأسود لتحقيق نتائج إيجابية. وأضاف طاليب “عرف رينارد بخبرته الأفريقية كيف يواجه كل الصعوبات، خاصة الإرهاق والحرارة، ومكّن اللاعبين من رفع تركيزهم، ما جعلهم يقدمون مستويات مميزة خاصة على المستوى التكتيكي، الذي يبقى من نقاط قوة الأسود”. ومن جهته أكد حسن ناضر النجم الدولي المغربي السابق أن “المنتخب المغربي نجح في الرهان الأول والتأهل لدور الثمن، بفضل العمل الكبير الذي قام به رينارد”. وأضاف أن المدرب الفرنسي استطاع أن يعيد الثقة للاعبين، وأن يصحّح الأخطاء قبل انطلاق النهائيات في المباراتين الوديتين أمام جامبيا وزامبيا. واعتبر نجم الكرة المغربية السابق عزيز بودربالة، أن رينارد يستحق الإشادة أمام المستوى الذي يقدمه اللاعبون في المباريات. لكن المدير الفني للأسود حاول التقليل من حجم هذه الإشادات، وقال في تعليق حول هوية المرشح للقب إنه “من المبكر الحديث عن بطل النسخة الحالية من البطولة، هناك فرق قوية للغاية، لدينا الجزائر ومصر والسنغال ونيجيريا، ومدغشقر التي تقدم نتائج طيبة للغاية، توجد أمور جديدة ومفاجآت ستحدث في دور الستة عشر، لأن اللقاء القادم لنا سيكون صعبا للغاية”. وعلى الجبهة الأخرى نجح جمال بلماضي، المدير الفني للمنتخب الجزائري لكرة القدم في إعادة الثقة والروح الجماعية لـ”ثعالب الصحراء”، بعدما صعد بالفريق إلى دور الثاني عن جدارة واستحقاق. وتصدرت الجزائر المجموعة الثالثة بـ6 نقاط لتلحق بمصر ونيجيريا في دور الـ16. ولم يخف بلماضي الذي عين مدربا للمنتخب الجزائري في يوليو الماضي، طموحه الكبير في الوصول إلى نهائي البطولة، متمسكا بأقواله السابقة والتي جلبت له الكثير من الانتقادات من قبل النقاد والمحللين. وبدا المدير الفني للخضر واثقا من نفسه ومن العمل الذي يقوم به، فضلا عن معرفته الجيدة والدقيقة بالمنتخبات المنافسة بدليل أنه كشف للصحافيين السنغاليين عن تشكيلة منتخب بلادهم أمام الجزائر قبل المباراة بيوم. كما نجح في جعل المنتخب الجزائري يلعب بروح جماعية وتعاون غير مسبوق. ويقول رياض محرز الذي أصبح قائدا لـ”الخضر” منذ انطلاق الدورة القارية، إن التعاون بين اللاعبين أصبح السمة البارزة لهذا المنتخب، وإن الجميع أصبح يهاجم ويدافع من أجل الفريق. ويشدد محرز على أن كل اللاعبين ينفذون بدقة التعليمات التكتيكية للمدرب في الملعب. ويشير إسماعيل بن ناصر، لاعب إمبولي الإيطالي، والذي اختير أفضل لاعب في المباراتين أمام كينيا والسنغال، إلى ما وصفه بـ”سحر” بلماضي في الفوز على كينيا ثم السنغال، مؤكدا أن اللاعبين يطبقون ما يطلبه المدرب منهم. لكن بلماضي، وبتواضع كبير رفض أن ينسب الإنجاز الذي حققه المنتخب الجزائري لشخصه، مؤكدا أن الفضل في ذلك يعود إلى اللاعبين الذين يؤدون ما يريده الجهاز الفني منهم على أرضية الملعب. تخطت مصر الدور الأول بنجاح كبير في التسجيل وتصدر مجموعتها الأولى بتسع نقاط، لكن ذلك لم يشفع من توجيه سهام الانتقادات للمدير الفني خافيير أغيري. ويعيب النقاد والفنيون على الفني المكسيكي الأداء المتواضع للمنتخب المصري وغياب خطة واضحة رغم أنه يلعب على أرضه وأمام جمهوره. وحاول محمد عمر، المدير الفني السابق للاتحاد السكندري والمنتخب العسكري، التقليل من الانتقادات الكبيرة التي توجه إلى الأداء الفني لمنتخب مصر. وقال عمر “الأهم في البطولات المجمعة مثل كأس الأمم، تحقيق الانتصارات، بغض النظر عن الأداء. الجميع سيتذكر أن منتخب مصر تمكن من تحقيق الفوز، دون أن يتحدث أحد عن الأداء”. وتساءل “ماذا لو أمتع منتخب مصر الجماهير فنيا، وخسر المباراة في النهاية هل سيتقبل أحد ذلك؟”. وأضاف عمر “قمة الأداء الفني هو التمكن من تسجيل الأهداف، وأرى أن منتخب مصر تمكن من تسجيل 5 أهداف في 3 مباريات، وهذا رقم جيد”. وتابع “مواجهة جنوب أفريقيا سهلة نسبيا للمنتخب الوطني، مقارنة بمواجهة منتخبات أخرى. تابعت جنوب أفريقيا خلال البطولة، وأرى أنه يعاني من مشاكل دفاعية قاتلة، وإلى جانب العقم التهديفي”. وعلى العكس من رؤية محمد عمر يرى حسن شحاتة، المدير الفني الأسبق لمنتخب مصر، أن مدرب الفراعنة مطالب بأن “يغير شكل الأداء الفني لمنتخب مصر، خلال المواجهات المقبلة في البطولة، خاصة أنها ستكون أصعب وأقوى على الفراعنة”. وقال المدرب القيدوم “مصر تعاني من أزمة في المهاجمين بشكل واضح، وأتعجب من عدم مشاركة أحمد علي هداف بطولة الدوري الممتاز في مواجهة أوغندا”. وتحدث عن مروان محسن قائلا “مهاجم مميز ولكن طريقة اللعب وتقييد بعض العناصر التي تلعب خلفه بالواجبات الدفاعية، يؤثر عليه، ويجعله لا يتلقى أكبر عدد من الفرص”. ولكنه أثنى في الأخير على أن “منتخب مصر يتمتع بالخبرة في التعامل مع البطولات الأفريقية، ويتمتع بأفضلية عن بقية المنافسين بفضل عاملي الأرض والجمهور، ونأمل أن يصل إلى الأدوار النهائية في البطولة”. ووعد أغيري بأنه سيقوم بمراجعة العديد من الأمور قبل لقاء جنوب أفريقيا في الدور الثمن النهائي، وهو ما نقله عنه إيهاب لهيطة مدير منتخب مصر الذي قال للصحافيين، إن أغيري وعد بالتحسن ومعالجة الأخطاء. وأضاف لهيطة “تعهد أغيري أمام وزير الشباب والرياضة ورئيس الاتحاد المصري لكرة القدم (بعد زيارتهما لمعسكر المنتخب أمس الثلاثاء) ببذل أقصى جهد من جانبه ومن اللاعبين، للوصول إلى منصة التتويج وإسعاد الجماهير”. وأشار إلى أن هدف المدرب المكسيكي هو “تحقيق اللقب بغض النظر عن تواضع الأداء في بعض الأحيان”. على الجانب الآخر من المنتخب المصري، تلوح الأزمة عميقة في منتخب تونس الذي حير متابعيه وأثار نقاط استفهام كبيرة تتعلق بالمدرب واللاعبين على السواء. واختلفت آراء المحللين حول الخطط التكتيكية لهذا الفني، لا بل إن هناك من ذهب إلى المطالبة بإقالته، حيث عبر اللاعب الدولي التونسي السابق زياد الجزيري عن استيائه العميق من المردود الذي قدمه منتخب بلاده أمام منتخب موريتانيا. وقال الجزيري في تصريح تلفزيوني “لقد شاهدت أسوأ مردود لمنتخب تونس عبر التاريخ. هذا المستوى لا يشرفني كتونسي”. وأضاف “فنيا لا يمكن انتظار الكثير من اختيارات هذا المدرب. لو كنت مسؤولا في الاتحاد التونسي لأقلته فورا”. وأكد الصحافي والكاتب مراد البرهومي على صفحة على فيسبوك “مازلت أصر وأقول إن هذا أسوأ مدرب مر على منتخب تونس منذ المختار التليلي في الثمانينات.. مسألة ثانية منتخب تونس هو الوحيد الذي لم يقنع، فحتى المنتخبات المغمورة لعبت وأدت وأمتعت. أما هذا المنتخب فالحظ وحده قد يسعفه مستقبلا مع مدرب ‘أبله”. وقال البرهومي في تصريح لـ”العرب”، “أن ما يعاب على مدرب تونس هو طريقة لعبه وتغيير أماكن اللاعبين، وهذا ما خلق مشاكل عديدة خصوصا في اللقاء الأول أما أنغولا”. وأضاف “الكل يعلم أن المنتخب قادر على تقديم ما هو أفضل من الأداء الباهت الذي ظهر به أمام منتخبات لا يمكن أن تقارن بالمستوى الذي قدمه النسور في فترات متراوحة من المسابقات القارية”. إشادة كبيرةدعوات للمراجعةخلافا للمردود الذي ظهر به بعض فنيي المنتخبات العربية في الدور الأول من البطولة، ترك العديد من المدربين الآخرين انطباعا جيدا ولقيت طريقة إعدادهم للاعبين وخطة لعبهم فوق الميدان إشادة كبيرة من الجهور الرياضي. وقدم منتخب مدغشقر المشارك لأول مرة في بطولة أمم أفريقيا في مصر مستوى لافتا، وأرجع الخبراء ذلك إلى الأسلوب الذي يعتمده مديره الفني نيكولا ديبوي. لكن المدرب، الذي يجمع بين تدريب مدغشقر وتولي مسؤولية فريق فليري المنافس في دوري الدرجة الرابعة الفرنسي، أبدى الكثير من التواضع وقال إن الفريق لا يزال يبحث عن نفسه في هذه البطولة. وقال الفني الفرنسي للصحافيين “لا نزال نبحث عن التواجد، يساعدنا كثيرا أن نقول ذلك، المزج بين التواضع والثقة هو ما دفعنا إلى الوصول إلى هنا وسنمضي الآن إلى أبعد مدى على قدر استطاعتنا”. وأضاف ديبوي “تأهلنا للنهائيات إنجاز حقيقي. حضرنا إلى هنا وبلغنا الآن دور 16، يجب أن أوجه الشكر للاعبين الذين جعلوني أشعر بالفخر، وهو نفس شعور شعب مدغشقر. هذا إنجاز حقيقي بالنسبة لنا”. وإضافة إلى مدرب مدغشقر، لاقى المدير الفني لمنتخب موريتانيا الكثير من الإشادة والرضى من المتابعين للبطولة، وهو ما عبّر عنه بالقول خلال مؤتمر صحفي “لعبنا مباراة قوية وغيرنا من طريقة اللعب والتحول من الدفاع إلى الهجوم”، في دلالة واضحة على بصمة المدرب وكيفية تعامله مع أي لقاء. وأشار مارتينيز إلى أنه ليس خجولا من مستوى موريتانيا في البطولة، لأن “القرعة كانت صعبة علينا ولعبنا بقوة أمام أنغولا وتونس”.
مشاركة :