الفارق بين فنانى هذا الزمن والزمن الماضى يتماثل مع فنجان القهوة على (السبرتاية) الذى يستغرق إعداده بضع ساعات، وفنجان (النسكافيه) الذى لا يتجاوز ثوان.البن يحتاج أولا لتحميص وطحن وإضافة قليل من الحبهان وجوزة الطيب وغيرهما وعلى نار هادئة الأمر يستغرق ثلاث أو أربع ساعات، وعلى الفنان أن يعايش إيقاع هذا الزمن، طبعا هناك فارق فى المذاق، إلا أنه ليس بالضرورة، كما قد يتبادر للذهن، لصالح فنجان القهوة.ولم تكن هذه هى فقط اللمحة الوحيد التى أشار إليها محمود حميدة، إليكم تلك، وهى معلومة ليس لدى يقين فى صدقها التاريخى، ولهذا أقدمها على مسؤولية حميدة، الذى قال فى اللقاء الذى أقيم له فى إطار مهرجان (المنارات)، إنه أول ممثل مصرى يكتب فى بطاقة الهوية المهنة ممثل، وذلك عندما بلغ الأربعين من عمره.أى منذ نحو ربع قرن فقط من الزمان، وأكد أن أغلب جيله والذين سبقوه كانوا يكتبون فى خانة الوظيفة اسم الكلية التى تخرجوا فيها أو الوظيفة التى كانوا يمارسونها، والأمر قطعا يستحق مراجعة وتدقيقا، هل مثلا سميحة أيوب، خريجة معهد المسرح، كانت تخجل أن تكتب المهنة ممثلة؟!، لا أدعى اليقين ولكن أتصور أن سميحة وغيرها من نجوم ذلك الجيل ومن جاءوا بعدهم حطموا تماما (تابو) الخجل قبل نصف قرن، بل لديهم اعتزاز بالمهنة.واصل حميدة أنه اكتشف كم كان يحتقر مهنة الممثل، ودليله أن والده، بناء على نصيحة من الفنان الكبير نبيل الألفى، أراد أن يتقدم بأوراقه لمعهد المسرح، ولكنه أصر أن يدخل كلية الهندسة عين شمس (قسم ميكانيكا) لأنه كان متأثرا بخاله، وبعد أن فشل فى الهندسة جدد والده العرض، إلا أنه تقدم بأوراقه لكلية التجارة وأمضى نحو 11 عاما فى الكليتين حتى تخرج، وكان طوال تلك السنوات يشارك فى فرق للرقص والتمثيل، حتى بدأت رحلته فى أول مسلسل تليفزيونى أخرجه أحمد خضر.فن التمثيل قائم على أن الفنان يُقدم نفسه للناس، ولهذا عليه الحفاظ على تلك الأداة، وأشار إلى جسده ورأسه.حميدة قال إنهم عندما سألوه عن أجره فى أول أفلامه (الإمبراطور) كان يقول ساخرا أنا وأحمد زكى، الذى شاركه البطولة، (102 ألف جنيه)، والحقيقة أن نصيب أحمد منها (100 ألف)!!.ظل حميدة يتقاضى أقل الأجور، فلم يكن يجيد توظيف نفسه تجاريا ولا يعرف كيف يحدد أجره، كان يفكر فقط فى أداء الدور.حميدة من وجهة نظرى هو أكثر النجوم الذين عرفتهم الشاشة الفضية مرونة وواقعية فى التعامل مع الحياة الفنية، يسبقه نور الشريف، وهكذا احتل مساحة بقوة على الخريطة فى السنوات الأخيرة، برغم تغير الإيقاع، ويتواجد مع نجوم تلك المرحلة مثل تامر حسنى وأمير كرارة ومنة شلبى وغيرهم، فهو يرى أن السينما للشباب وأن المتفرج قاطع التذكرة يدفع الثمن لكى يرى نفسه ومن هم فى عمره.الفنان الكبير يسبقه تاريخه، الناس لا تراه فقط بعدد مشاهده على الشاشة، هم لا شعوريا يضيفون إليه أيضا تاريخه القديم. وعن توريث الفن أكد أن الفنان الذى يوضع فى مكانة ليست له لن يستطيع الاستمرار، الأب من البديهى أن يسعى لتوريث ابنه المهنة مثلما يورثه ثروته، بينما الناس فى نهاية الأمر هم أصحاب العصمة والكلمة العليا فى الدفع به للقمة أو نفيه بعيدا عن الرقعة!!.
مشاركة :