أبحر الكاتب والإعلامي المصري إسلام بحيري بعيداً في تعامله مع صحابة وتابعين، وأئمة وكُتُب لها مكانة في التراث الإسلامي. وهو طالب بإحراق كُتُب وإلغاء آراء الفقهاء، وهاجم الإمام ابن تيمية على نحو غير مسبوق. ردود الفعل على إسلام بحيري أشعلت الساحة الثقافية والدينية، وانخرط جميع الرموز الإسلامية المصرية في الرد عليه، فضلاً عن الأزهر، الذي أصدر بياناً أشار إلى أن برنامج بحيري «مع إسلام» الذي يبث على قناة «القاهرة والناس»، «يشكّك الناس في ما هو معلوم من الدين بالضرورة، بالإضافة إلى تعمُّقه في مناقضة السلم المجتمعي، ومناهضة الأمن الفكري والإنساني، ما يجعل البرنامج يمثّل تحريضاً ظاهراً على إثارة الفتنة وتشويهاً للدين ومساً بثوابت الأمة والأوطان، ويُعرّض فكر شباب الأمة للتضليل والانحراف». قضية بحيري ذكّرتنا بالجدل الذي شهدته مصر قبل 15 عاماً، إثر السماح بطباعة رواية «وليمة لأعشاب البحر» للروائي السوري حيدر حيدر، التي أثارت عاصفة عنيفة من الغضب في أوساط دينية وحزبية وشعبية، واتُّهِم مؤلّفها بالتطاول على الدين الإسلامي من خلال عبارات وردت على لسان الأبطال خلال مسيرة الأحداث. ولكن، على رغم أن «فتاوى» إسلام بحيري وأسلوب نقده، كانا أشدّ بمراحل من تجاوزات «وليمة لأعشاب البحر»، ناهيك عن أن معظم الآراء التي طرحها يصعب تأويلها أو تخفيف مقاصدها، إلا أن الساحة المصرية تعاملت معها بالحوار والحجّة، وعلى نحو حكيم، وهو ما يُحسَب للمؤسسة الدينية في مصر وعلى رأسها الأزهر. صحيح أن بعض الردود على بحيري كانت قاسية، ولكن يمكن تبريرها بأنها استجابة لقسوة إسلام وتجرُّئه على صحابة وتابعين وعلماء كبار. الفارق بين رد الفعل على رواية حيدر والرد على آراء بحيري، عَكَسَ وعْي علماء الدين في مصر بتغيُّر الظروف وخطورة المرحلة التي نمر بها. وكان الأزهر حريصاً على عدم تكفير إسلام أو إخراجه من ملة الإسلام وهدر دمه، وكذلك فعل جميع الذين تصدّوا للرد عليه. هذا تطوّر مشهود في التفكير والوعي يستحق الإشادة، لأنه يخدم صورة الإسلام ويمنع آخرين من استغلال «أزمة بحيري» لتكريس أخطائها، بحجة حرية التعبير. لا أحد يرفض حرية التعبير، لكن تعاملها مع معتقدات الناس يصعب قبوله على هذا النحو، وفي هذه المنطقة من العالم، فضلاً عن أن دولاً غربية تشهد احتجاجات من الناس إذا مُسَّت عقائدهم. لا شك في أن أسلوب إسلام بحيرى في تناول التراث الإسلامي اتّسم بالحدّة والنّزَق، فضلاً عن أن مصادمة المجتمعات بهذه الطريقة القاسية، تُفضي الى التشدُّد والعنف، وتمنع الحوار الرشيد في قضايا الخلاف. الأكيد أن انغماس وسائل الإعلام في قضايا العقائد والمسائل الخلافية بين المذاهب والعلماء، منهج خاطئ في أحسن الأحوال، ومدمِّر في أسوئها... ومؤشّر إلى أن الإعلام العربي شريك في الصراع المذهبي والطائفي الذي نعيشه. في أسف، أقول إعلامنا مازال يعيش في الماضي.
مشاركة :