بعض الصحافيين يصنع صحافة، وبعضهم الآخر تصنعه الصحافة. يوم الأحد الماضي فقدَت الصحافة السعودية صحافياً من النوع الأول. غاب عمر المضواحي، نجم مجلة «المجلة» وجريدة «الشرق الأوسط»، وأخرى حبّر أعمدتها بركضه المتّقد. حظي المضواحي بحياة صحافية مثيرة وحافلة، ورحل فجأة. سيرته تصلح مادة لفيلم وثائقي عن بدايته المهنية في الصحافة السعودية، ووصول المهنيين المحترفين إليها. أدرك عمر، مبكراً، أن قيمة الصحافي في نصه، وليس في لقبه الإداري، لذلك كان الأكثر نشاطاً ومهنية وموهبة بين أبناء جيله، فضلاً عن أنه أبرعهم في صوغ موضوعاته وأحاديثه الصحافية، والاعتناء بها. تميّز في كتابة مقدمة نصوصه، وامتلك قدرة على التفريق بين مقدمة المواضيع الذاتية، والنصوص الموضوعية، يطبّق مسطرة المهنة، في مقدماته، ويكتبها بأسلوب مُغاير وجميل، ويحرّض على المتابعة. وعلى الجانب الإنساني اتسم بشخصية راقية، ووديعة ومهذبة. عمر المضواحي أفضل صحافي سعودي طبّق مقولة «الموضوعات ملقاة على قارعة الطريق، لا يراها إلا الصحافي». يلتقط صورة لمكان، أو حكاية قديمة، أو مشهداً عابراً، غير لافت للعابرين، ويصنع منها قصصاً صحافية مشوّقة ومبدعة. كان متفرّداً في كتابة الموضوعات الإنسانية، وغير المتوقّعة، حتى الأمكنة ينقلها عبر حكايات ساكنيها. نصوصه تنبض بحياة البشر وتفاعلاتهم، يصوغها بطريقة لا يجيدها إلا صحافي موهوب. كل من قرأ موضوعات المضواحي يدرك أنه تجاوز مَنْ حوله. كان زاهداً بالإنشائية، ويرفض المجاملة في مهنته، وللكلمات عنده موقع وميزان. يُقال إن شخصية المرء قدره، والمضواحي كانت الصحافة قدره، كرّس نفسه لمهنة المتاعب وكَسِبَ موقعاً مهماً في أعمدتها، لم يترك مجالاً لأي شيء يشغله عنها، كان مؤمناً بقيَمِها، ولا يخضع قصصه، وموضوعاته للضغوط. طبّق مبدأ «فن الممكن»، بأقصى حدوده، وهو يجيد لعبة التجاوز، وإن شئت، الذكاء، لحماية نصه. لم يكن للمضواحي ضجيج خاص، أخباره هي مواضيعه، وحواراته، وتحقيقاته. له بصمة خاصة، تجدها في كل ما كتب، تفرَّد بقدرة متميزة في الكتابة عن الأشخاص، ووصفهم بطريقة تثير جدلاً حولهم. المضواحي يذكّر، على الدوام، بالصحافيين الملتزمين، الذين بدأت أعدادهم تتناقص... بقدرته على الاستقلال، وطرح مواقفه، في شكل مهني، يصعب عليك أن تجد مأخذاً عليه. كان صحافياً محترفاً يكتب بلغة راقية في صحافة تُعجَب بالإنشائية، وخلط الفنون الصحافية، ومجافاة الموضوعية. فقدَتْكَ الصحافة السعودية يا عمر، رحمك الله.
مشاركة :