محمد حجازي يكتب: مدخل لفهم كتاب «المناهج المدرسية بين استثمار الرأسمال البشري وهدره»

  • 7/8/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يثير كتاب مهند عبد الحميد “المناهج المدرسية” الكثير من التساؤلات، قدم نقدا علميا للمنهج الفلسطيني، الذي من المفترض أن يكون مستندا إلى وثيقة الاستقلال و القانون الأساسي ولكل وثائق منظمة التحرير الفلسطينية من ناحية الثقافة الوطنية والمدنية. كيف لا والسلطة الفلسطينية قد انضمت إلى الكثير من المؤسسات والمعاهدات الدولية، التي تحدد طبيعة النظام الذي ننتمي إليه؟. يشير عبد الحميد إلى مدى التناقض بين الثقافة الوطنية المشار إليها في وثائق المنظمة وما تحتويه الكتب المدرسية وخاصة في منهاج التربية الدينية واللغة العربية. وأشار إلى ضرورة الانتقال من نظام تعليمي محافظ إلى نظام تعليمي تحرري، مثل موضوع المرأة في المنهاج التعليمي، فهناك الكثير من التميز ضد المرأة، ويضعها تحت الوصاية والسيطرة الاجتماعية، إلى جانب ضرورة ربط مسألة التحرر الوطني بالتحرر الاجتماعي. وتحدث عبد الحميد عن مسألة دور البنية الاجتماعية السائدة في إعاقة التعليم التحرري من خلال سيادة الفكر المحافظ الغيبي غير النقدي. طرح عبد الحميد قضية غاية بالأهمية في الفصل الثالث من كتابه بعنوان “دولة مدنية أم دينية”، حيث أبرز حجم التناقض بين وثائق وقوانين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، خاصة وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي والمنهاج التدريسي السائد، وقدم رؤيته الخاصة وبطريقة علمية واضحة بين واقع التعليم الحالي وتخلفه بالمعنى الحضاري، حيث قدم استعراضا لمفكري عصر النهضة العربية بداية من محمد عبده، وربط ذلك بالمحاولات التي يقدمها مفكرو الوقت الحاضر من الوسط الاسلامي، الذين قدموا رؤية عصرية تنويرية للإسلام كجمال البنا و د.محمد شحرور وغيرهما من المفكرين الإسلاميين المعاصرين، قدم عبد الحميد مقارنة بين بعض النصوص الواردة بالمنهاج الفلسطيني وتعارضها الواضح مع الهوية الوطنية التحررية ومخالفتها لنصوص وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي، خاصة ما يخص المرأة ومفهوم التسامح الديني والموقف من الديانات السماوية وحقوق الإنسان…إلخ.غلاف الكتاب وخص مسألة الموقف من المسألة اليهودية كديانة سماوية، حيث أوضح عبد الحميد حجم الخلط بين الديانة اليهودية والحركة الصهيونية كحركة عنصرية ودولة إسرائيل باعتبارها استعمارًا كولونياليًا استوطن أرض فلسطين التاريخية، هناك الكثير من أتباع الديانة اليهودية ومفكرون  ضد دولة إسرائيل وحركتها العنصرية. قدم عبد الحميد فصلا عن رفض الحداثة في المنهاج الفلسطيني، التي تتلخص بالحضارة والتقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي والبحث العلمي والأدب والفنون والفلسفة ومنظومة وقوانين الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والحريات العامة وحرية التعبير والإعلام، إلى جانب مسألة التداول السلمي للسلطات من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة والبعيدة عن استخدام الرموز الدينية، وقيم العمل والإنتاج، كل ذلك يندرج ضمن مسمى الحداثة التي ساهمت في تقدم الكثير من الدول. وقد بان اهتمام عبد الحميد بهذا الفصل بشكل واضح، وقدم رؤية فذة لمدى تعارض المنهاج التدريسي الفلسطيني مع الحداثة، واستعرض الكثير من المواضع في هذا المجال. بدون أدنى شك أن مفهوم الحضارة وعدم فهمه وأحيانا كثيرا يتعرض للتزوير و التشويه، فلاسفة العرب في العصر الوسيط  من أمثال الفارابي والكندي وابن سينا والبيروني وصولا الى ابن رشد وابن خلدون الذين ألهبوا الفكر العالمي، في الوقت الذي إهتمت به أوروبا بفلاسفة العرب في أواخر العصر الوسيط، وأنشأت الجامعات في مختلف العواصم الأوربية  التي ترجمت العلوم عند العرب وخاصة الفلسفة، تخلى العرب عن حضارتهم وروادها وحل محلها الأفكار الغيبية، وتم محاربة الكثير من علماء العرب، اتهم الكثير منهم بالردة والالحاد، تنكر المنهاج الفلسطيني لهؤلاء الفلاسفة خلق مشكلة كبيرة في تزوير التاريخ العربي الإسلامي لصالح السلاطين والملوك، إلى جانب خلو المنهاج التدريسي من تدريس مادة الفلسفة. وفي الحديث عن الرواية الفلسطينية، وجب التأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية الفلسطينية وجمعها وحمايتها من محاولات السطو التي تقوم بها دولة الاحتلال، وأعتقد أنه يجب أن يكون للمنهاج الفلسطيني دور هام في عملية الجمع والتعليم، حتى تصبح واضحة في عقول أجيالنا اللاحقة، ولكن جمع الذاكرة الفلسطينية وتضمينها ما يتناسب مع المنهاج الفلسطيني يحتاج لعقول فلسطينية مستنيرة وواقعية. تحدث عبد الحميد بشيء من التفصيل عن الهوية الجمعية للفلسطينيين، وضرورة الحفاظ عليها في مواجهة الهويات الفرعية الأخرى التي تحرف النضال التحرري عن خصوصيته الفلسطينية، باعتبار الفلسطينيين يخوضون معركة التحرر الوطني الاجتماعي ضد مشروع كلونيالي إحلالي يستهدف اقتلاع الفلسطيني من أرضه من خلال الاستيطان وممارسة الإرهاب. بدون أدنى شك إن كتاب عبد الحميد “المناهج المدرسية بين الاستثمار الرأسمالي البشري وهدره”.. يشكل إضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية حيث قل مثيله أو ندر، وهو كتاب بحثي علمي واضح المنهج والرؤية المدنية والوطنية التحررية، وحتى يكون كتاب عبد الحميد مثمرا وجب الاستماع لملاحظة الكاتب وهي توصية هامة تتلخص بضرورة تشكيل لجنة متخصصة في مراجعة المناهج المدرسية الفلسطينية بما يتوافق مع طبيعة المرحلة التي يمر بها الفلسطينيون، وبما يتوافق مع وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي ومسألة الانضمام للمعاهدات والمؤسسات الدولية، ولكن هذا يحتاج لإشراك مثقفين فلسطينيين تنويريين ومتميزين من أمثال عبد الحميد في إنتاج منهاج دراسي عصري متطور، كتاب مهند عبد الحميد هذا ما هو إلا مشاركة فعالة في تطوير وانتاج منهاج فلسطيني وطني وعصري.

مشاركة :