بدون أدنى شك.. فإن قرار الرئيس ترامب إعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، أحدث ردة فعل هائلة على الصعيد العالمي، وتمخض عن ذلك ما شاهدناه في جلسات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، من حالة الرفض العالمي الرسمي والشعبي، ما أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، بإعتبارها قضية عادلة، حيث كانت المواجهة واضحة ضد قرار ترامب، رغم التهديد والوعيد بقطع المساعدات، ورغم ذلك صوتت 129 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في تحد واضح لإدارة ترامب. شعر الفلسطينيون بأنهم ليسوا وحدهم في المواجهة، حيث شكل القرار الأمريكي صدمة كبيرة لهم، أن تتحول الإدارة الأمريكية من راع لعملية السلام إلى تابع و منفذ لرغبات نتياهو، وبهذا تكون الإدارة الأمريكية غيرت إستراتيجيتها في المنطقة العربية، وعزلت نفسها عن الرعاية و الوساطة. بعد قرار ترامب وجدت قيادة السلطة وفصيلها حركة فتح نفسيها أمام سؤال المرحلة: “ماذا بعد فشل المراهنة على التسوية وعلى الرعاية الأمريكية”؟.. إما البقاء والمراوحة في المكان أو التحرك و الإنتقال إلى مرحلة نضالية عنوانها التحدي و الدفاع عن مشروعها وقيادتها لشعبها، وقبل كل ذلك لملمة شملها. قرار تشكيل الحركة لجانًأ فتحاوية في كل المناطق الفلسطينية بحسب مجلسها الثوري هو قرار مهم جدا لتنظيم التظاهرات ولجعلها أكثر فاعلية، خاصة أننا شاهدنا جزءا مهما من قيادات الحركة في مقدمة التظاهرات، هذا المشهد غاب عن الشارع الفلسطيني في المرحلة السابقة، خروج فتح بهذا الشكل أولا يعيدها إلى دورها النضالي و الكفاحي الذي فقدته إلى حد كبير في المرحلة السابقة، وثانيا بمثابة الدفاع عن النفس وعن دورها، خاصة وأن إسرائيل تتحدث صراحة وجهارا عن ضرورة إستبدال هذه القيادة بأخرى، وهنا ليس المقصود الرئيس أبو مازن فقط، بل رأس فتح وقيادتها الحالية، وهذه إسطوانه مشروخة سمعناها مرارا وتكرارا، ولكن في هذه المرحلة المشهد أشد خطورة. ويطرح مشهد إنتقال فتح إلى الشارع عدة أسئلة أيضا، أولها: هل حركة فتح تستطيع الإنتقال إلى هذه المرحلة وبكل زخمها، وهل تستطيع قيادة حركة فتح التضحية بكل الإمتيازات التي حصلت عليها، والسؤال الأهم من كل ذلك هو القدرة على التحرك بين المحاور في الإقليم، في سعيها للبحث عن البدائل السياسية على الأرض. إن صوغ برنامج سياسي جديد لهذه المرحلة الحساسة يقتضي وحدة الحالة الفلسطينية، وتأسيسها على قاعدة الشراكة السياسية في منظمة التحرير، لا وقت لتضيع الوقت، وعلى حركة حماس أن تعي أن مشروعها أولا كدولة في قطاع غزة قد إنتهى، وثانيا برنامجها في المقاومة وصل إلى طريق مسدود، كما فشل مشروع الرعاية الأمريكية والتسوية، فالعودة إلى الوراء فيما يخص المصالحة، كما أتضح من الكثير من الإشارات التي تصدر عن حركة حماس، والحديث على فشل المصالحة وبالتالي العودة إلى خيار غزة “الدولة” حديث خطير جدا، يعزز الإنقسام ويتساوق مع مخططات الإحتلال بتقسيم الفلسطينيين والتشكيك بتمثيلهم السياسي، وعزل قطاع غزة عن الضفة و مدينة القدس، بل أكثر من ذلك عزل القطاع عن القضية الفلسطينية. ولكن قبل مطالبة حماس وجب على قيادة السلطة إلغاء كل الإجراءات التي إتخذتها ضد قطاع غزة. بالمقابل.. فإن تحضير حركة فتح نفسها لقيادة الشارع الفلسطيني نحو إنتفاضة ثالثة على طريقة إنتفاضة 87 شيء مهم يساهم في بلورة رؤية فلسطينية جديدة، عنوانها وحدة الفلسطينيين ووحدة قضيتهم، ويجب التنبه فيما لو ذهبنا إلى إنتفاضة ثالثة، إلى أن الإحتلال الإسرائيلي لن يقف عندها ساكنا، ومن المؤكد بأنه سيتخذ إجراءات عقابية متواصلة، مدعوما من الإدارة الأمريكية، تبدأ بسحب ومصادرة عائدات الضرائب، ولا تنتهي بسحب كل بطاقات الشخصيات المهمة، وعندها العالم سيقف على قدم واحدة يساند الفلسطينيين و يدعمهم، كما أن الجماهير العربية الغارقة في مشاكل المحلية لن تسكت على تهميش القضية المركزية. لكل إنتفاضة فرسانها وقادتها المتمرسين في العمل الجماعي، فالعمل الميداني في وجه المحتل هو الذي يوحد الفلسطينيين، وبمقدار إبتعادنا عن المواجهة مع الإحتلال بمقدار ما تفرقنا، وكل طرف يبدأ بالبحث عن أجندته الخاصة. ولضمان هذه المعادلة وجب التأكيد على أنه في هذه المرحلة فإن الشكل المناسب لنضالات الفلسطينيين هو ذهابهم إلى إنتفاضة شعبية عارمة غير مسلحة، لضمان إبتعادها عن العمل النخبوي الذي يسهل على الإحتلال إحتواؤه، كما حدث في إنتفاضة 2000، فبقاء شكل المشاركة الشعبية غير المسلحة هو الأفضل، فهي أقوى سلاح يمتلكه الفلسطينيون في هذه المرحلة، ويجعل العالم يدعمنا أكثر، ومن جهة أخرى وجب على الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وفي هذه المرحلة الحساسة، وقف إطلاق الصواريخ، لفتح المجال والتركيز على الإنتفاضة، فالحرب على القطاع من الممكن أن تحبط وتجهض الإنتفاضة، وهو الهدف الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه.. وأخيرا، ولإعطاء الإنتفاضة زخما جماهيريا أكبر، وهذا ما تفتقده حاليا، وجب التوافق و التنسيق وتشكيل لجان في كل مدينة وقرية وحي، من كل مكونات الحالة الفلسطينية، وقبل كل ذلك ضمان السقف السياسي المناسب للإنتفاضة، وألا يهبط للبحث عن البدائل بعودة الرعاية الأمريكية وفتح مسار جديد للتسوية. * كاتب من فلسطين
مشاركة :