محمد حجازي يكتب: غزة بين رحى الحرب ومتطلبات المصالحة

  • 7/23/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

شغل الشارع الفلسطيني في الآونة الأخيرة خطر الحرب على قطاع غزة وإعادة الزخم في ملف المصالحة، عاش القطاع لحظات حرجة وكادت أن تتدحرج الأمور إلى حرب شاملة تأكل الأخضر واليابس، معجزة حدثت منعت الحرب من خلال التدخل المصري العاجل لوقف الغارات الاسرائيلية على القطاع المنهك في الأساس، حيث مازالت آثار حرب 2014 حاضرة بقوة، لم تتم عملية  إعادة الإعمار ولا الحصار انتهى، بل زادت الأمور تعقيدا من خلال زيادة نسبة الفقر والبطالة وفقدان الأمل، في الحرب الماضية كانت “الأونروا” حاضرة في قدرتها الكبيرة على القيام بعمليات الإغاثة والإيواء للمهجرين من بيوتهم على تخوم القطاع، وحينها بلغ العدد أكثر من 380 ألف مهجر، أمنت لهم الوجبات اليومية والمأوى حين فتحت كل مدارس التابعة لها، لم تعد “الأونروا” على حالها فيما لوحدثت الحرب الشاملة على القطاع، لأنها لم تعد لديها القدرة على تقديم المعونات، فهي تعيش أزمة غير مسبوقة، بعد قطع الإدارة الأمريكية المساعدات السنوية عنها، والتي تقدر بنصف موازنة “الأونروا”، وبشكل أكثر وضوحا أن ميزانية الطوارئ “للأونروا” بلغت صفرا. هناك تقديرات فلسطينية غير رسمية تقول إن الحرب على القطاع مسألة وقت، لأن المعادلة التي تعتمدها إسرائيل مع حركة حماس باتت تهتز، إذ كانت حركة حماس تؤمن لإسرائيل عدم وحدة الفلسطينيين أي ضرب وخدش التمثيل السياسي للسلطة والمنظمة، وبمعنى آخر ضرب حل الدولة الفلسطينية التي تشترط أن تكون غزة والضفة الغربية ومدينة القدس وحدة  جغرافية واحدة، ومن جانب آخر  قدرة إسرائيل على التعايش مع نشاطات الفصائل ضدها، من خلال القصف المحدود والموجه لأي نشاط مقاوم ضد إسرائيل، وربط ذلك بفتح المعابر التجارية ومساحة الصيد في قطاع غزة، حاولت حركة حماس الذهاب إلى معادلة قصف بقصف، تبعها مسيرة العودة والبالونات الحارقة التي شكلت إزعاجا لمستوطني غلاف القطاع، وتم حرق آلاف الدونمات الزراعية، وأمام مطالبات مستوطني غلاف غزة شعر المستوى السياسي في إسرائيل أن هذا الوضع لا يمكن احتماله، وكانت الجولة الأخيرة التي هدفت إلى العودة لمعادلة الهدوء مقابل المعابر التجارية ومساحة الصيد وكسر معادلة “قصف بقصف” التي حاولت حركة حماس تثبيتها، ولكن أعتقد أن النشاط الفلسطيني، خاصة في القطاع يجب أن يعمل على تجنيب غزة الحرب من خلال نزع كل الذرائع التي من الممكن أن تستغلها إسرائيل لشن هذه الحرب. بعد وقف إطلاق النار مباشرة أعادت مصر زخم المصالحة، قدمت قيادة السلطة ورقة تحمل عدة نقاط عرضت على المخابرات المصرية التي تدير ملف المصالحة، واستدعت وفد حماس، ومن ثم وفد حركة فتح، بالرغم من حالة الملل التي أصابت الشارع الفلسطيني من قدرة الأطراف على طي ملف الانقسام، إلا أن هناك أملا بدا يلوح في الأفق من خلال التصريحات ومن خلال التقارب بين وجهتي النظر، أعتقد أن الأجواء والظروف هذه المرة أفضل لأن التحديات كبيرة، وأن رهان حركة حماس على استثمار مسيرة العودة وصل إلى طريق مسدود، لأن حركة حماس لا تستطيع دفع الثمن السياسي لأي اتفاق مع إسرائيل، وأن حديث الإدارة الأمريكية عن تقديم مساعدات اقتصادية سخية لقطاع غزة ارتبطت بصفقة القرن التي رفضها الرئيس أبومازن بقوة، وبالتالي تعقد المشهد السياسي أمام حركة حماس، لم تعد قادرة على تقديم أي حلول للفلسطينيين في القطاع الذين لم يعد بمقدورهم الصمود أكثر من ذلك، وحتى صمودهم وانتظارهم لم يعد يقبل المسوغات التي تتحدث عنها حركة حماس، بمعنى آخر الخلاف بين حركتي حماس وفتح لم يعد يستند على أي أساس سياسي، إلى جانب أن حركة حماس غير قادرة على تسويق نفسها في العالم العربي لاعتبارات كثيرة. تبقى هناك مشكلة قديمة جديدة، وهي أن الطرفين، قيادة السلطة وحركة حماس، يتوافقان على النصوص ويختلفان عند التطبيق، لأن التطبيق له علاقة بالمحاصصة، وهي القضية التي بنيت عليها كل نصوص وتوافقات المصالحة، التقاسم الوظيفي الذي تحدده الاتفاقيات بين الطرفين ما هو إلا وصفة جاهزة للفشل، كان من المفترض القيام بحوار جوهره فكري سياسي مرتبط  بجوهر القضية الفلسطينية التحرري، مرتبط أيضا بحل معضلة علاقة الإسلامي بالوطني، أي أن تكون حركة حماس مرجعيتها  الأساسية وطنية بامتياز، إلى جانب التوافق على برنامج سياسي وطني موحد يشكل مرجعية للطرفين، قبول حركة حماس بطبيعة المجتمع السياسي التعددي الذي يحترم الاختلاف وحرية المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات وفق وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي الفلسطيني، بات شرطا ضروريا لتحقيق وحدة الفلسطينيين كجماعة سياسية واحدة تتطلع للحرية والاستقلال.   *كاتب مقيم في فلسطين

مشاركة :