الصبر من أهم شروط المحرر الأدبي

  • 7/9/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعد مهنة التحرير الأدبي جديدة إلى حد كبير على دور النشر المصرية والعربية، حيث بدأت منذ سنوات قليلة تأخد مكانتها من الاعتراف من قبل الكتاب والمثقفين ودور النشر، رغم أنها مهنة معترف بها في دور النشر العالمية، حيث لا توجد دار نشر في العالم إلا ولها أكثر من محرر أدبي للكتاب المؤلف أو المترجم. وقد بدأت دور النشر العربية أخيرا الاستعانة بالمحررين الأدبيين والمراجعين، وهنا نلتقي بالمحررة الأدبية والمترجمة الشابة هدى حسن فضل التي تلعب دورا مهما وفاعلا في دار نشر العربي، وتقوم بمهام تشكل محورا أساسيا منها تحرير ومراجعة الكتب المترجمة حيث قامت بتحرير 64 كتابا ورواية، واختيار المترجمين والمحررين الجدد واختبارهم، كم تقوم بالتفاوض مع أصحاب الحقوق الأجنبية عند شراء حقوق أي من الأعمال الجديدة، وقد ترجمت رواية "حياة على باب الثلاجة" لأليس كويبرز، وشاركت في ترجمة كتاب "ذكريات الصين" الذي يلخص أهم المتغيرات في الصين بعد الثورة. تخرجت هدى في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن، وتخصصت في الأدب الإنجليزي وفي اللغويات والترجمة، وتدرس حاليا للحصول على الماجيستير في الأدب المقارن، وعملت أثناء سنوات الدراسة بترجمة الأفلام الكلاسيكية الإنجليزية وأيضا مترجمة ومحررة ثم قائدة ببرنامج ويكيبيديا الدولي لإثراء المحتوى العربي على الموسوعة العالمية ويكيبيديا. وتعمل حاليًا رئيسا لقسم التحرير بدار نشر العربي للنشر والتوزيع، حيث بدأت العمل بها عام 2015، وأصبحت رئيسة التحرير عام 2017. في هذا الحوار معها نضيء العديد من الجوانب المهمة في مهنة المحرر الأدبي والمراجع وكذلك وضع الترجمة والمترجمين الآن. تقول هدى "قسم التحرير بدار العربي مسؤول عن عدة مهام: أولًا، اختيار الكتب الجديدة التي يتم عرضها من قبل أصحاب الحقوق الأجانب، أو عن طريق المعارض الأجنبية التي نسافر إليها، أو عن طريق القراءات الشخصية لأعضاء فريق التحرير. ثانيًا، أهم دور يقوم به الفريق هو مراجعة الترجمات المختلفة ومقارنتها بالنص الأصلي. ثالثًا، يحاول أعضاء الفريق تشذيب الترجمة وجعلها أقرب ما تكون إلى النص الأصلي ولكن بنكهة عربية لا تجعل القارئ يشعر بأنه يقرأ عملًا غريبًا عنه. رابعًا: في حالة وجود ترجمة بها الكثير من التعديلات التي لن تكتفي بالمراجعة أو التحرير فقط، يتم التواصل مع المترجم والاجتماع معه بالمكتب لتدريبه على كيفية التعامل مع النص الأجنبي وترجمته بطريقة سلسة لا ترهق القارئ. في البداية، أرهق عمل التحرير والمراجعة الفريق بالعربي، ولكن بعد أن فهم المترجمون ما نريد وأتقنوه، وبعد أن تمت غربلة المترجمين الذين تتعامل معهم الدار، أصبح الأمر أسهل، على أن بعض التحديات لا تزال تواجه الفريق، لكنها تحديات تبقي الفريق منتبهًا دائمًا". وعن الشروط الواجب توافرها في المحرر الأدبي تضيف "الصبر هو أهم الشروط، لأن مراجعة الكتب وتحريرها قد تضطر المحرر إلى قراءة النص قراءة متأنية أكثر من مرة. حب القراءة مهم للغاية، لأن القراءة تعلِّم الصبر والقدرة على استنباط المعنى المقصود من جملة ما أو كلمة ما، والقراءة في أكثر من لغة مهم كذلك، لأن هذا يساعد على فهم الجمل غير المباشرة. والقراءة لمؤلفين مصريين مثل نجيب محفوظ، مهم للغاية أيضًا، لأن محفوظ، على سبيل المثال، لديه مهارة استخدام ألفاظ عامية مع الفصحى، ومع ذلك يجعل الأمر يبدو طبيعيًا ومقبولًا للغاية، وهو ما نحاول الوصول إليه. شرط آخر مهم هو التفكير بعقلية القارئ وبعقلية المتحدث العادي، أي أن نسأل أنفسنا "كيف نقول هذا التعبير في حياتنا اليومية؟"، الإجابة على هذا السؤال هي ما تساعد كثيرًا في حل بعض مشاكل التحرير التي تواجهنا". وحول أسباب استدعاء مهنة المحرر الأدبي في عالمنا العربي تؤكد هدى أن "الكتاب المترجم لا يحظى بالاهتمام نفسه الذي يلقاه الكتاب أو الرواية المكتوبة أصلًا بالعربية. لذا فإما أن يكون المترجم ماهرًا بالعربية ولديه أسلوب قوي، أو أن الترجمة ستصدر كما هي دون مراجعة حقيقية. من هذا المبدأ فكرنا في القيام بشيء جديد وبه نوع من التحدي. في البداية، لم يكن الأمر سهلًا، كما ذكرت من قبل، لأن مفهوم محرر ومراجع الترجمة الأدبية، غير منتشر ولا يقوم به الكثيرون، بل لا يكاد يقوم به أحد. العمل المترجم له الأهمية نفسها والثقل الذي يتمتع به العمل الأصلي، الفارق هو اختلاف اللغة، لذا فمن الضروري الاهتمام بالعمل المترجم بالقدر نفسه الذي يتلقاه العمل الأصلي، خصوصًا أن سوق الكتب الآن يميل بشدة ناحية الأعمال المترجمة؛ سواء كتب حديثة معاصرة، أو كلاسيكيات أعيدت ترجمتها مرة أخرى. وتوضح هدى أن مهمة محرر الكتب في دار العربي تركز على الروايات، والمجموعات القصصية أو الكتب الوثائقية المترجمة، ونادرًا ما نعمل على تحرير رسائل علمية أو كتب أو روايات عربية. لكن، مؤخرًا، بدأنا نلتفت إلى فكرة التحرير الأدبي، وحررنا بالفعل ثلاثة روايات عربية صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2019؛ "أطر من فراغ" لعمرو عافية، و"تمار" لمي خال، و"سجين مسقط" للشربيني عاشور. لم يكن الأمر سهلًا، لكنه كان تحديًا لطيفًا. خبرتنا في مراجعة وتحرير الكتب المترجمة ساعدتنا كثيرًا في تحرير تلك الروايات العربية، وقراءاتنا الشخصية أضافت إلى ذلك أيضًا، لكن المؤكد هو أن لكلا النوعين من التحرير: التحرير الأدبي، وتحرير الكتب المترجمة، صعوبات خاصة. فعند تحرير ومراجعة الكتب المترجمة، يقوم المحرر بمقارنة النص الأصلي بالترجمة، في حالة ما إذا كان المترجم حديث العمل معنا، وإذا كان مترجمًا قد عمل معنا من قبل، نكتفي بقراءة الترجمة وتحريرها فقط، لكن إذا ما لفت انتباهنا وجود شيء ما غير مفهوم، نقوم بمراجعته مع النص الأصلي أو التواصل مع المترجم. وترى هدى أن هناك فارقا بين تحرير كتاب مترجم وتحرير كتاب مؤلف "تحرير كتاب مؤلف له صعوبة خاصة، وتحتاج إلى قارئ ناقد وذكي للغاية يستطيع معرفة الأجزاء التي تضيف لتطور الحدث في الكتاب أو إذا ما كان الكتاب يحتاج إلى إضافة. في الوقت نفسه، أرى أن مراجعة الكتاب المترجم ثم تحريره، ولوقت طويل، تعطي من الخبرة اللازمة لبدء الدخول في عالم التحرير الأدبي؛ لأنه عند قضاء أكثر من 3 سنوات في قراءة ومراجعة كتب أجنبية وقراءتها، يبدأ مراجع ومحرر الكتب المترجمة بتنمية ذوق أدبي يمكنه من التفريق بين ما هو جيد وغير جيد وما يحتاج إلى تعديل هنا أو إضافة شيء هناك أو حذف شيء من هنا لكي يصبح الكتاب في شكل أفضل". وتلفت هدى إلى "أن هناك عدة أنواع من المترجمين: نوع يلتزم بكل حرف وكلمة كتبها المؤلف، وكلما ناقشته في جملة غير واضحة أو سلسلة يكون رده أن هكذا كتبها المؤلف، وهي قناعة لا بد وأن يتخلص منها المترجمون إذا أرادوا حقًا أن يتميزوا عن غيرهم. نوع آخر يحب أن يترك بصمة له على ترجمته، وهو نوع معاكس تمامًا للنوع الأول، هو يلتزم بالنص وكل شيء، لكن قد يضيف كلمة، وأحيانًا جمل كاملة، وهو ما يحتاج لمراجعة جيدة وتركيز شديد أثناء التحرير. نوع ثالث يحمل من خصال النوعين الأولين، وهو ما أحب التعامل معه، لأنه يهتم بالنص وبمصداقيته كمترجم، وإذا ما أضاف كلمة أو جملة فهي فقط لتوضيح نقطة ما – غالبًا متعلقة بالثقافة – وجعلها أقرب لثقافتنا المصرية والعربية. هناك نوع أخير، وهو أكثر الأنواع المتعبة، نوع يترجم كالكتاب الأصلي؛ كلمة بكلمة، وحرف بحرف، وحتى نقطة بنقطة. ترجمته تكون صحيحة لكنها غير مفهومة بالمرة، وهو النوع الذي نحاول تفاديه تمامًا". وتقارن هدى بين نتاجات أجيال المترجمين، تقول "أثناء طفولتي، ثم مراهقتي والفترة التي سبقت دخولي الجامعة ودراستي للأدب الإنجليزي، كنت أقرأ ترجمات مكتبة الأسرة، وترجمات المركز القومي للترجمة، وبعض الترجمات القديمة التي كنت أجدها في سور الأزبكية لسلاسل ثقافية طُبعت في مصر أو في الكويت. اعتدت كذلك الاستماع إلى مسرحيات إذاعة البرنامج الثقافي المترجمة. قرأت كذلك كتبًا تم تعريبها، وقتها لم أركز كثيرًا – باعتباري طفلة تريد القراءة فقط – على الترجمة، بل إنني لم أشعر كثيرًا بأن ما أقرأه كان مترجمًا. وأعتقد أن هذا دليل على جودة الترجمة في هذه الكتب. لكن، عندما بدأت العمل محررة في دار العربي، بدأت أنتبه لأشياء لم أعرها اهتمامًا من قبل، مثل أن أجد نفسي فجأة أقول إن هذه الجملة كانت لتصبح أفضل لو أنها كتب بهذه الطريقة أو غيرها. ومع ذلك، فلا يمكنني بأي طريقة إنكار أن الأعمال القديمة المترجمة عالية الجودة. إن الوضع يختلف الآن بالطبع، لأن معظم الأجيال – مواليد الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفينيات – يريدون ما هو جديد. حتى ولو سألوا عن أعمال كلاسيكية مترجمة، فأغلبهم يبحثون عن ترجمات جديدة لها. في رأيي، يعود هذا لسببين، الأول: إن معظم الأعمال الكلاسيكية القديمة المترجمة لم تعد منتشرة وأصبح من الصعب الحصول عليها، والثاني: إن التغيرات التي طرأت علينا والانتشار الواسع لثقافات ومفاهيم جديدة دخلت على اللغة والثقافة أصبحت تتطلب تغيرًا في طريقة ولغة الترجمة لتواكب فكرًا جديدًا". وتشير هدى إلى أبرز التحديات التي تواجه المترجم الآن هي "أن الترجمة ليست مهنة يمكنه الاعتماد عليها في العيش، أي أنه لا يستطيع أن يكتفي بعائدها المادي، وخصوصًا المترجم الأدبي. معظم المترجمين الذين يبحثون عن عائد مادي مرتفع من الترجمة يعملون في الترجمة القانونية أو في ترجمة المقالات أو الكتب لصالح دور نشر أجنبية أو مواقع صحافية غير مصرية. لكن، على الناحية الأخرى، الترجمة الأدبية – خصوصًا إذا ما كان المترجم ماهرًا بها – تبني اسمًا، وعلى المدى الطويل سيعود هذا بالفائدة على المترجم، لأن الحقيقة هي أن عالم النشر يشبه الدائرة، لذا فالمترجم لن يصبح محصورًا في دار نشر واحدة، بل ستنتقل الكلمة من هنا وهناك أنه ماهر. الأمر يحتاج إلى الوقت والمهارة ليس أكثر. تحديًا آخر يواجه المترجم وسوق الأعمال المترجمة عمومًا هو قناعة القارئ الغريبة بأن الكتاب المترجم لا يستحق سعره مهما كانت جودة طباعته وإخراجه وترجمته، وبالطبع هذا يؤثر على كل شيء آخر". وتؤكد هدى أن اختيار العمل الأدبي أو الفكري يتم اعتمادًا على عدة شروط، أن يكون متوافقًا مع توجه الدار في النشر، وأن يناسب السوق وما يجذب انتباه عموم القرَّاء. مثلا: يتم اختيار الكتاب الذي يناقش قضية محورية ومثيرة للجدل، مثل كتاب المختطفات: شهادات من فتيات بوكو حرام لفولفجانج باور وترجمة علا عادل، الكتاب هنا يناقش عدة قضايا ظاهرة وأخرى لا يراها إلا القارئ المنتبه. ظاهرها هو بوكو حرام وتهديداتها في أفريقيا، والخافية هي الدين والعرق ونظرة الغربي لقضايا الشرق وأفريقيا. وكفريق تحرير، نقوم بتصنيف اختياراتنا للكتب التي سنترجمها. هناك كتب جدلية وتناقش مواضيع خطيرة ستجذب نوعًا معينًا من القرَّاء، وهناك كتب تجارية: مثل روايات الجريمة والغموض، وهي تجذب الكثير من الشباب الصغير، وهناك كذلك كتب تناقش مواضيع ثقافية عامة تجذب انتباه أولئك الذين يحبون الثقافة العامة ولا يميلون للأدب كثيرَا. ونهتم كذلك بحجم الكتاب، بعض القرَّاء يحبون الكتاب الكبير الحجم، وآخرين يحبونه صغيرًا. كل هذه المعايير تحدد اختيارنا للكتب التي سنترجمها".

مشاركة :