سقطت تكريت قبل أسبوعين تقريبا بدعم من غطاء جوي أمريكي مكثف مشروط بعدم السماح لما يُسمّى بقوات الحشد الشعبي بالدخول إلى المدينة حال تحريرها. طبعا الشروط الأمريكية في البلدان العربية مشبوهة إلى حدٍّ كبير، والتسليم بصدقها يُشبه التسليم بأمانة أم عامر، تلك الضبعة التي غدرت بالأعرابي الذي أجارها وأطعمها، فنامت من شبع، ثم استيقظت لتفعل فعلتها الشنعاء. وما أن سقطت المدينة التي رحل عنها معظم رجالها، حتى دخلتها ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية بالكامل، وهم يعلمون أن لا مقاومة ستقف في طريقهم. لم يجدوا في المدينة سوى العوائل التي عجزت عن مغادرتها، فما كان منهم إلاّ أن أعملوا أدوات القتل وتحريق البيوت على سكانها، وتدمير كل ما أمكن تدميره، ونهب كل ما أمكن نهبه. لم يشفع لأهل المدينة العزل تاريخها الإسلامي المجيد، فهي جزء من محافظة منسوبة إلى صلاح الدين الأيوبي القائد المسلم الملهم. لكن العقلية الطائفية النتنة لم ترَ في المدينة إلاّ شخص صدام حسين، وصدام قد مات منذ أمد. وحتى لو لم يكن لها من شخص صدام نصيب، فإن الحال لن تتغير طالما أن غالبية سكانها من أهل السنة المستضعفين. لقد دُمرت تكريت وأحرقت ونهبت وانتهكت فيها الحرمات، والعالم يتفرج والولايات المتحدة تغض الطرف! ظنّ أهل تكريت أن الفرج قادم، إذ عانوا كثيرا من مجرمي داعش. لكنهم كانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار. ربما كان بإمكان كثير منهم ممارسة شيء من الخداع مع داعش لمحاولة الظفر بحياتهم وإن كانت صعبة، لكن لا منجى من الميليشيات الطائفية الحاقدة، فهي تقتل على الهوية، وتغتصب على الاسم، وتحرق على الهيئة والشكل. ولذا لن يظفر العراق بسلم ولا سلام، ولا بتنمية ولا استقرار إن استمر هذا الحال، وهو مرشح للاستمرار في ظل نظام المماحصة الظالم الذي تبنّاه الغازي الأمريكي، فأودع السلطة التنفيذية في يد طائفة دون أخرى، في حين كان المفترض أن يسود التجانس على حساب الفرقة والتنازع، وتعلو قيم الوطن على أي اعتبارات مذهبية. اللهم لطفك الخفي والجلي بأهل العراق، فقد طال ليلهم واسودت الدنيا في وجوههم. salem_sahab@hotmail.com
مشاركة :