عودة جديدة للقرصنة البحرية - عبد الجليل زيد المرهون

  • 4/10/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

في السابع والعشرين من آذار مارس 2015، أعلنت الأمم المتحدة أن مجموعة من القراصنة هاجموا سفينة إيرانية في المياه الصومالية، وذلك للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات. وقبل ذلك، استولى قراصنة، في التاسع من الشهر ذاته، على ناقلة نفط ماليزية قرب السواحل الإندونيسية، وسرقوا حمولة الوقود التي تنقلها. وشنت عصابات من اللصوص المسلحين هجمات على ناقلات نفط صغيرة في المنطقة للاستيلاء على شحناتها. وتبحث الكثير من العصابات عن الديزل البحري وزيت الغاز لسرقته ثم بيعه في السوق السوداء. وقد وقعت 11 عملية اختطاف لناقلات صغيرة في مياه جنوب شرق آسيا في العام 2014، وهو ما يُمثل أكثر من نصف عمليات اختطاف السفن التي تم الإبلاغ عنها حول العالم في تلك السنة. فقد أعلن المكتب الدولي للملاحة البحرية، في تقرير جديد، أصدره في الرابع عشر من كانون الثاني يناير 2015، أن القرصنة البحرية في مختلف أنحاء العالم قد تراجعت في العام 2014 إلى أقل مستوى لها في ثماني سنوات. ووفقاً للتقرير، فإن 245 حادثاً للقرصنة البحرية سجل في العام 2014، بتراجع نسبته 44%، وذلك منذ وصول نشاط القراصنة في السواحل الصومالية إلى ذروته عام 2011. ويشير التقرير إلى 11 حادث قرصنة بحرية فقط نسب إلى قراصنة صوماليين، في العام الماضي، بانخفاض عن 15 حادثاً عام 2013 و236 حادثاً عام 2011. كما جرى، في مختلف أنحاء العالم، اختطاف 21 سفينة عام 2014، تم اقتحام 183 منها، وإطلاق النار على 13 أخرى، دون التمكن من اقتحامها. وقتل القراصنة أربعة من أفراد الأطقم وأصابوا 13، وخطفوا 9 من داخل سفنهم. كما جرى الإبلاغ عن 28 محاولة لتنفيذ هجمات قرصنة ضد سفن. ويعتبر إقليم بونت لاند، الصومالي، ذو الحكم الذاتي، المركز الأساسي لانطلاق عمليات القرصنة في بحر العرب ومناطق أخرى من المحيط الهندي. وكان الاعتقاد السائد، حتى وقت قريب، ان القرصنة من المشاكل الرئيسية التي يمكن أن تؤدّي إلى تفكك هذا الإقليم سياسياً وأمنياً، وإن عصابات الجريمة في بونت لاند ليست متورطة في القرصنة فقط، بل أيضاً في نشاطات أخرى، منافية للقانون الدولي، من قبيل تهريب البشر. الأمن البحري لازال يُمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الأسرة الدولية عامة، وتستدعي معالجته الكثير من الجهد، والمزيد من العمل الدولي المشترك. وإن دول العالم المختلفة معنية باتخاذ المزيد من التدابير الكفيلة بصيانة الأمن البحري، والنظر إليه باعتباره جزءاً لا يتجزأ من مقاربة الأمن الدولي وفي تقرير أصدره في 11 نيسان أبريل 2013، قال البنك الدولي إن القرصنة البحرية تكلف الاقتصاد العالمي حوالي 18 مليار دولار سنوياً. وتتوزع هذه التكلفة، بصفة أساسية، على ثلاثة بنود هي: الحراسة والحماية الأمنية الخاصة على متن السفن، والعمليات البحرية للأساطيل الدولية، والوقود الإضافي الناجم عن السرعة العالية الاضطرارية للسفن التجارية و - أو - اضطرارها لسلوك طرق أطول لتفادي التعرض لهجوم محتمل من قبل القراصنة. ومن أجل الحد من احتمالات التعرض لخطر القرصنة البحرية، تضمنت "المدوّنة الدولية لأمن السفن والمرافئ" (ISPS) لعام 2002 بنوداً خاصة بسبل الحماية من أعمال السطو المسلح والقرصنة ضد السفن التجارية، ومحاولة منع التهريب بكافة أنواعه، ومنع التسلل، واكتشاف ومنع أي عمل إرهابي على سفن البضائع والركاب، وذلك من خلال تقييم وتطوير الوضع الأمني لمرافق الموانئ والسفن، ووضع الخطط والقواعد الإرشادية والبرامج والتجهيزات اللازمة لمحاولة تجنب أو تقليل هذه الجرائم والتهديدات. وتنص المدونة على توفير مستوى وإطار ثابت لتقييم الخطر بحيث تتمكن الحكومات من مجابهة مستويات المخاطر والتهديدات المختلفة المحتمل وقوعها في السفن والموانئ، وهي تتضمن قواعد وإجراءات لأمن الموانئ وأمن السفن، وأحكاماً تتعلق بالسلطات والإدارات البحرية والشركات الملاحية. كما تتطلب الأنظمة الجديدة أن يوضع نظام تعريف أوتوماتيكي على متن السفن، كي يُمكن تحديد موقع السفينة في أي لحظة، إذا وقع حادث طارئ على متنها، بما في ذلك هجوم إرهابي. وهناك إجراءات إضافية يُمكن لأصحاب السفن اتخاذها، كوضع كاميرات رادار خاصة تراقب ما يقترب من أجسام صغيرة من مؤخرة السفينة، لأن الرادارات العادية موجهة فقط إلى الأمام. كما يمكن إرسال مرافقة بحرية مع السفن وإن كان ذلك مكلفاً ومعقداً للغاية. وفي المجمل، ثمة تطورات عديدة بدأت تشهدها صناعة السفن على طريق التصدي لخطر القرصنة البحرية. ومن جهة أخرى، كان للإجراءات الصارمة التي تعتمدها القوات البحرية لدول مختلفة دورها في تقليص عدد هجمات القراصنة. وفي بحر العرب تحديداً، كثفت القوات البحرية لمختلف الدول من إجراءات مكافحة القرصنة، ومنها توجيه ضربات لقواعد القراصنة على الساحل الصومالي، كما تستعين شركات الشحن بحراس مسلحين، وبوضع مراقبين في أماكن مرتفعة على متن السفن، وكذلك تزويدها بأسلاك شائكة. ووفقاً لقوة المهام البحرية العاملة في المحيط الهندي، فقد تم في الفترة بين العام 2005-2012، القبض على نحو 3741 من أفراد الأطقم من 125 جنسية مختلفة، لفترات احتجاز بلغت 1178 يوماً. وتوفي ما يصل إلى 97 بحاراً أثناء الهجمات، وفي الاحتجاز بسبب سوء المعاملة، أو أثناء عمليات الإنقاذ. وتنتشر حالياً أكثر من ثلاثين سفينة دورية عبر خليج عدن وشمال غرب المحيط الهندي، تتبع عددا من المنظمات والدول، بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول آسيوية وعربية مختلفة. وكان قرار مجلس الأمن الدولي، الرقم (1838)، الصادر في الثامن من تشرين الأول أكتوبر من العام 2008، قد نص على السماح للدول باستخدام كلٍّ من الأساطيل الحربية والطيران الحربي لمكافحة القراصنة. كما تبنى المجلس القرار الرقم (1851)، الذي أجاز القيام بعمليات دولية برية ضد القراصنة داخل أراضي الصومال. وفي الأصل، حدد القانون الدولي الإطار الخاص بمكافحة القرصنة والسطو المسلح في البحر، على النحو الذي جسدته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، المؤرخة في 10 كانون الأول ديسمبر1982، ولا سيما موادها (100) و(101) و(105). وذلك فضلاً عن الحق الأصيل في الدفاع المشروع عن النفس، والشخصية الاعتبارية للدول. وعلى الرغم من ذلك، فإن الوقت لازال مبكراً للاستنتاج بأن القرصنة البحرية، في هذا الجزء الحيوي من العالم، هي اليوم في طريقها للتلاشي والضمور. فهناك تطوّر مستمر في أساليب القراصنة، ومناطق انطلاقهم، على نحو وسّع من ظاهرة القرصنة البحرية في الإقليم، ونقلها من خليج عدن إلى بحر عمان وقناة موزامبيق، بل وسواحل سيشل في أقاصي الجنوب. هذا الواقع، يشير إلى أن حرب المجتمع الدولي على القرصنة البحرية، في المحيط الهندي، تبدو طويلة، بموازاة كونها باهظة. وفي 22 تشرين الأول أكتوبر 2014، قدم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، جيفري فيلتمان، لأعضاء مجلس الأمن الدولي، عرضاً لتقرير بان كي مون، حول القرصنة والسطو المسلح أمام سواحل الصومال، تحدث فيه عن "عودة أنشطة القرصنة على نطاق واسع قبالة السواحل الصومالية، في حالة عدم استمرار الدعم الرادع، المقدم من الوجود البحري الدولي، وتدابير الحماية الذاتية المتبعة من قبل صناعة النقل البحري في المنطقة". واعتبر التقرير ان القرصنة أمام ساحل الصومال هي إحدى مظاهر المشاكل السياسية التي تتطلب حلاً سياسياً. وقد أقر مجلس الأمن بهذا الأمر في قراراته ذات الصلة، بما فيها القرار الرقم (2125)، الصادر في العام 2013، عندما أشار الى أن انعدام الاستقرار في الصومال هو أحد الأسباب الكامنة لمشكلة القرصنة. إن عمليات القرصنة ترمي بظلالها على أمن الملاحة، الذي يُعد عنصراً أساسياً في منظومتي أمن الطاقة والتجارة البحرية. وهاتان المنظومتان تتداخلان مع منظومة أوسع هي المعادلة الكلية للأمن الإقليمي، تؤثران فيها وتتأثران بها، إلا أن أيّاً منهما لا تُعد تعبيراً رديفاً لهذه المعادلة. فالأمن البحري لازال يُمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الأسرة الدولية عامة، وتستدعي معالجته الكثير من الجهد، والمزيد من العمل الدولي المشترك. وإن دول العالم المختلفة معنية باتخاذ المزيد من التدابير الكفيلة بصيانة الأمن البحري، والنظر إليه باعتباره جزءاً لا يتجزأ من مقاربة الأمن الدولي.

مشاركة :