في السادس والعشرين من نيسان أبريل 2015، انتخب القبارصة الأتراك السياسي مصطفى أكينجي رئيساً لدولتهم، المعروفة باسم الجمهورية التركية لشمال قبرص، واختصارها باللغة الإنجليزية (TRNC). وقد حصل أكينجي على 60.38% من أصوات الناخبين في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، في حين حصل منافسه الرئيس المنتهية ولايته حينها، درويش أوغلو، على 39.62%. ويُعد أكينجي - الذي ينتمي إلى يسار الوسط - من أبرز الداعمين للمصالحة مع الشطر القبرصي اليوناني. وهو قد وعد في حملته الانتخابية بالعمل من أجل إبرام اتفاق سلام في الجزيرة المقسمة عرقياً وجغرافياً. إن المطلوب من المجتمع الدولي التعامل مع القضايا العالمية بمنظور واحد لا منظورين. وإن من دواعي الإنصاف فك الحصار المفروض على القبارصة الأتراك، الذي هو في الأصل جائر وغير إنساني، فضلاً عن كونه فاقداً للشرعية وجزيرة قبرص مقسمة، منذ العام 1974، إلى شطرين: شمالي يقطنه القبارصة الأتراك، وجنوبي يسكنه القبارصة اليونانيون. وتمتد خطوط وقف إطلاق النار بين الشطرين حوالي 180 كيلومتراً. وتختلف المنطقة العازلة بين الخطوط، من أقل من 20 متراً إلى نحو سبعة كيلومترات. وتغطي نحو ثلاثة في المئة من مساحة الجزيرة. ولا يزال جزء من الساحل القريب من الخط الأخضر في مدينة فاماغوستا، المقسمة بين الشطرين، مهجوراً ببناياته ومرافقه، حيث يمنع دخوله على السياح والمواطنين. وذلك بانتظار تسوية ملف المهجرين والنازحين، أو تبادل المناطق، بين شطري الجزيرة. وهذه المنطقة عبارة عن مجمعٍ من الفنادق والكنائس والمساكن المهجورة، وكانت مقصد الباحثين عن الفخامة من نجوم هوليوود، مثل بول نيومان وإليزابيث تايلور. ولكنها هُجرت بعد حرب العام 1974. وكان مجلس الأمن الدولي قد اعتمد في 4 آذار مارس 1964 القرار الرقم (186)، الذي أوصى بإنشاء قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص (UNFICYP)، والتي بدأت العمل في السابع والعشرين من الشهر ذاته. وتحددت مهمة هذه القوة حسبما يلي: "الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، واستخدام أكبر جهودها لمنع تجدد القتال، وحسب الضرورة الإسهام في صيانة واستعادة القانون والنظام، والعودة إلى الظروف الطبيعية". وفي العام 1974 اعتمد مجلس الأمن عدداً من القرارات، التي أثرت على وظيفة قوة حفظ السلام الأممية العاملة في قبرص. وتطلب منها أن تؤدي مهاماً إضافية، ترتبط، بصة خاصة، بصيانة وقف إطلاق النار. وفي أعقاب وقف إطلاق النار الفعلي، قامت القوة بالتفتيش على وضع القوات المختلفة وخطوط وقف إطلاق النار والمنطقة العازلة التي تم إنشاؤها بين المنطقتين الواقعتين تحت سيطرة قوات الطرفين القبرصيين اليوناني التركي. وتقوم الشرطة المدنية التابعة للأمم المتحدة بالتعاون والاتصال بشكل وثيق مع الشرطة القبرصية اليونانية والشرطة القبرصية التركية في شأن المسائل التي لها نواح تخص العلاقات بين الطائفتين. ومع الوحدات المختلفة لتسهم في الحفاظ على القانون والنظام في المنطقة العازلة وتساعد في التحقيق وفي الأنشطة الإنسانية للقوة. وتشكلت الجمهورية التركية لشمال قبرص رسمياً في العام 1986. وهي تقع على مساحة من اليابسة تبلغ ثلاثة آلاف وثلاث مئة وخمسة وخمسين كيلو متراً مربعاً، من أصل تسعة آلاف ومئتين وواحد وخمسين كيلو متراً مربعاً هي إجمالي مساحة جزيرة قبرص، التي تعد ثالث أكبر جزر البحر الأبيض المتوسط، بعد كل من صقلية وسردينيا على التوالي. وهي لا تبعد سوى 64 كيلومتراً عن جنوب تركيا، كما أنها قريبة أيضاً من مدينة اللاذقية السورية. ولاتزال الجهود الخاصة بإعادة توحيد الجزيرة تواجه تحديات كبيرة، وهي ما برحت تراوح مكانها منذ بضع سنوات. وكان المسار الأخير من مفاوضات التسوية قد انطلق في الثالث من أيلول سبتمبر 2008، بلقاء جمع رئيسي الشطرين القبرصيين. وقد جرى التوافق على توحيد الجزيرة على أساس فيدرالي، على أن يتم طرح أي اتفاق يتم التوصل إليه على استفتاء عام في الشطرين. وقد غطت تفاصيل المباحثات جملة ملفات أبرزها تقاسم السلطة، الإدارة الحكومية، قضية الممتلكات، الأراضي، الأمن، العلاقة مع أوروبا، والضمانات والجهات الضامنة للحل. وهناك ثلاث مسائل لازال يجري التداول بشأنها، هي: طريقة إدارة الدولة الفيدرالية القادمة، وتحديد مستحقي الجنسية القبرصية، ومصير ملكية الأراضي والعقارات التي خسرها الأفراد نتيجة التقسيم. ويرى القبارصة الأتراك أن نظراءهم في الشطر اليوناني لا يبدون معنيين بالتوصل إلى تسوية جدية، وأن زعماءهم يفضّلون استخدام القضية القبرصية بوصفها ورقة ضغط على تركيا فيما يتعلق بمسيرة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. وقد مثلت خيبة أمل الرأي العام في شمال قبرص من سير المفاوضات سبباً رئيسياً لعدم فوز الرئيس الأسبق محمد علي طلعت، ذي الاتجاه اليساري، بولاية رئاسية جديدة في انتخابات نيسان أبريل من العام 2010. وقد أسفرت تلك الانتخابات عن فوز درويش أراوغلو بمنصب رئاسة الدولة. وكان أراوغلو رئيساً للوزراء، كما يتزعم في الوقت نفسه حزب الوحدة الوطنية. واليوم، يشير انتخاب مصطفى أكينجي رئيساً جديداً إلى أن الرأي العام لدى القبارصة الأتراك ربما شهد بعض التحوّل. وهذا بالطبع مع صحة الافتراض، في الوقت نفسه، أن القضايا الاقتصادية الداخلية قد شكلت هي بالذات العامل الأساسي لهذه النتيجة. وكان مجلس الأمن الدولي قد بذل جهوداً فريدة لحل الأزمة القبرصية بين عامي 1999 -2003. وجاءت هذه المبادرة في سياق فرصة نادرة والتي لو كانت اغتنمت لسمحت لقبرص موحدة بأن توقع معاهدة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في 16 نيسان أبريل 2003. وتحت إشراف الأمين العام أجريت محادثات الوساطة بين كانون الأول ديسمبر 1999 وتشرين الثاني نوفمبر 2000 ومحادثات مباشرة بين كانون الثاني يناير 2002 وشباط فبراير 2003. ولم تستطع الأطراف خلال هذه العملية أن تصل إلى اتفاق دون مساعدة طرف ثالث. ومن ثم قدم الأمين العام اقتراحاً شاملاً للتسوية في 11 تشرين الثاني نوفمبر 2002 وتنقيح أول في 10 كانون الأول ديسمبر 2002، وتنقيح ثانٍ في 26 شباط فبراير 2003. وتطلبت الخطة التي كان عنوانها "أسس التسوية الشاملة للمشكلة القبرصية" استفتاء قبل 16 نيسان أبريل 2003 لاعتمادها وإعادة توحيد قبرص. وفي شباط فبراير من العام 2003، اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار الرقم (1475)، الذي منح تأييده الكامل "للخطة المتوازنة بقبرص"، التي طرحها الأمين العام للأمم المتحدة حينها، كوفي عنان. وفي العاشر من شباط فبراير 2004 وفي أعقاب دعوة من الأمين العام استأنف الزعيمان القبرصيان حينها، اليوناني تاسوس بابادوبلوس والتركي رؤوف دنكتاش، المفاوضات على أساس خطة التسوية التي قدمها الأمين العام. وقُدم الاتفاق الأساسي المقترح في التسوية الشاملة للمشكلة القبرصية إلى استفتاءين متزامنين، في الجنوب والشمال، وذلك في 24 نيسان أبريل من العام 2004. وقد رفض القبارصة اليونانيون خطة الأمين العام للأمم المتحدة، بمعدل ثلاثة أصوات إلى صوت واحد، في حين وافق عليها القبارصة الأتراك بمتوسط اثنين إلى واحد. وقد انضم الشطر القبرصي اليوناني إلى عضوية الاتحاد الأوروبي بعد أيام فقط من رفضه للخطة الأممية. وحسب إعلان هلسنكي الأوروبي، الصادر في كانون الأول ديسمبر 1999، فإن قبرص تدخل إلى الاتحاد الأوروبي حتى وإن لم تصل مشكلتها إلى حل، شريطة ألا يكون الجانب القبرصي اليوناني مسؤولاً عن فشل المفاوضات. بيد أن الأوروبيين لم يتقيدوا بهذا الإعلان. كذلك، وعد الاتحاد الأوروبي القبارصة الأتراك برفع العقوبات والحصار الاقتصادي المفروض عليهم، إن هم صوتوا بنعم للخطة الأممية، إلا أنه تراجع عن وعوده، واستمر الوضع في الشطر القبرصي التركي على ما هو عليه. وكانت سياسة العقوبات المفروضة على القبارصة الأتراك قد تعززت بعد إعلان دولتهم عام 1986، على الرغم من أن هذه العقوبات منافية للقانون الدولي، الذي يحظر مبدأ العقاب الجماعي للشعوب. وفي حقيقة الأمر، فإن قراري مجلس الأمن الدولي الرقم (542) والرقم (550)، الصادرين عام 1983، قد ولدا بفعل ضغط اليمين المحافظ في الغرب، الذي كان حينها في أوج انتعاشه. ومن المنظور القانوني، يُمكن القول إن متغيراً كبيراً قد طرأ على فلسفة أو (روح) القرارات الدولية، الخاصة بالقضية القبرصية. وذلك اعتباراً من العام 2004، عندما وافق القبارصة الأتراك على خطة الأمم المتحدة لإعادة توحيد الجزيرة. إن الطبيعة القانونية للقرارين (542) و(550) قد تغيّرت بعد هذا الحدث، فالقانون يخضع لسنة التطوّر. وبالتالي يتعين الاعتراف بضرورة تعديل القواعد القانونية، إذا تغيرت حيثيات الظروف التي أولدتها. وهذا ما نصت عليه اتفاقية فيينا لعام 1969 في مادتها (62). إن أحداً في هذا العالم لا يُمكنه الادعاء بشرعية الحصار المفروض على القبارصة الأتراك. وهذا ما أكده كوفي أنان، أمين عام الأمم المتحدة السابق، في تقريره الذي قدمه إلى مجلس الأمن الدولي، في 28 أيار مايو 2004، والذي أوصى فيه بإنهاء الحصار الاقتصادي المفروض على الشطر القبرصي التركي. إن المطلوب من المجتمع الدولي التعامل مع القضايا العالمية بمنظور واحد لا منظورين. وإن من دواعي الإنصاف فك الحصار المفروض على القبارصة الأتراك، الذي هو في الأصل جائر وغير إنساني، فضلاً عن كونه فاقداً للشرعية. إن هذا الحصار قد أثبت بأنه لم يغير شيئاً في معادلات السياسة والأمن. ولم يتضرر منه سوى الإنسان العادي، الذي يشعر الآن بأن العالم يعاقبه على تمسكه بحقوقه الوطنية. إن المطلوب هو إنهاء هذا الحصار وتجاوز آثاره. وهذه مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق الأسرة الدولية.
مشاركة :