يرتبط الوعي السياسي في مجتمعنا بالاهتمام بالشأن العام، ولهذا تاريخ قديم كان عميقًا في بعض المراحل مثل الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كما كان بدرجة أقل في بعض المراحل التي شهدت انحسارًا في الحريات بعد السبعينات، وتزامن ذلك مع هزيمة يونيو 1967 وتراجع اليقظة القومية التي كانت منتشرة في الوطن العربي قبل هزيمة يونيو، وشهدنا في هذه الفترة حالة من اليأس أدت إلى إبتعاد المجتمعات العربية عن الاشتغال والانشغال بالسياسة، والأمور التي تتصل معها، وفي أقطار الخليج العربي صادفت هذه الهزائم ارتفاع أسعار النفط في السبعينات ما أدى إلى ارتفاع مستوى المعيشة، وتزامن ذلك مع الرفاه واتساع الطبقة المتوسطة، وانحسار الطبقات الدنيا، لهذه الأسباب، شهدنا انحسارًا سياسيًا وثقافيًا من جهة، وازدهارًا اقتصاديًا نتج عنهما انحسارًا في الاهتمام بالشأن العام، وظهور ملامح المجتمع الاستهلاكي، واستشراء الفردية والأنانية والتمحور الضيق حول الذات، إلا أن مجتمعنا كان أقل تضررًا وتورطًا بالنمط الاستهلاكي، بسبب محدودية المداخيل النفطية من جهة، والعمق التعليمي الثقافي من جهة أخرى. وفي هذه الفترة بدا كما لو أننا نمر في فترة ركود سياسي وثقافي، لكن مع صدور الميثاق الوطني، عاد المجتمع البحريني إلى طبيعته التاريخية التي اعتاد عليها، فوجدناه يعود بقوة إلى طبيعته المتأصلة الكامنة، فكان نتاج ذلك يقظة جديدة كان المجتمع في أمس الحاجة إليها في شتى الحقول السياسية والثقافية والاقتصادية، وكما يقال، عند المد ترتفع جميع السفن فوق الماء، كما أن عند الجزر تهبط جميع السفن. وكان هذا المد هوإحياء لأشواق قديمة تمسك بها الأسلاف، وورثته الأجيال الجديدة. ومع كل هذه الأخلاط حافظ مجتمعنا على سماته السياسية والثقافية والاجتماعية. كان لا بد لي من هذا الاستطراد، ففي الأمور التي ذكرتها تتبدى جموحات وأحلام مجتمعنا للتقدم. وفي المستوى الاجتماعي تبرز ظواهر أخرى تستحق الإشادة في هذا المجتمع، فالبحرينيون يتحلون بالطيبة ذائعة الصيت في الخليج والأقطار العربية، ومن تفرعات هذه الطيبة نجد الجنوح الواضح لديهم لقبول الآخر، بشهادة الأجانب الذين يعيشون في البحرين. فمجتمعنا يعتبر الآخر الأجنبي ضيفًا، ويعامله معاملة الضيف. واختتم بسمة أخرى لهذا المجتمع، هي القناعة والصبر والكفاح لتوفير لقمة العيش، فعندما ضاقت السبل في هذا المجتمع بسبب الغلاء والضرائب وجدنا من البحرينيين من ينتظم في عملين، ومن يقبل الالتحاق بأعمال متدنية الأجور، ومتدنية المستوى، و في القطاع الخاص تواجد الشباب بكثافة بحثًا عن فرص أفضل للترقي، وأخص بالذكر القطاع الأصعب، وهو قطاع البنوك، الذي شهد ازدهارًا ملحوظا وإقبالاً كبيرًا. وفي هذا الصدد يذكر أن البحرينيين يشكلون ما نسبته 83% في البنوك التجارية، وهم يعملون بكفاءة عالية بعد الخبرة الطويلة، وبعد دورات تدريبية متقدمة، بحيث أصبح شبابنا اليوم مؤهلون للعمل في أي مكان في العالم في القطاع المصرفي، وهذه مفخرة لنا. واختيار الشباب لهذه المهنة الشاقة بهذه الكثافة يدحض بعض الآراء التي تقول إن شبابنا ينقصه الطموح، فالعمل في البنوك يعتبر أحد أهم وأصعب الأعمال وأشدها ضغوطًا في التصنيف العام. ما الذي يدفع هؤلاء الشباب إلى جحيم البنوك ولهيبها؟ الطموح أولاً، والراتب المجزي ثانيًا، وتحسين جودة الحياة ثالثًا، بالنتيجة فعندنا ذخيرة من الخبرة والكفاءات في هذا القطاع الاقتصادي الهام، سيكون تأثيره كبيرًا في البرامج الاقتصادية القادمة. وفي حديثنا عن البنوك، سنجد أن البحرينيات الإناث يشكلن نسبة غير قليلة فيها رغم أن المرأة ينتظرها عمل البيت. ظاهرة أخرى في هذا المجتمع تستحق الإشادة نشأت مؤخرًا تزامنا مع تطور الحريات العامة، هي المجالس الأهلية التي انتشرت في العقدين الآخرين بشكل واسع، حيث تحولت هذه المجالس الى أماكن للتثقيف السياسي والاهتمام بالشأن العام، ومتابعة ما يجري في البلدان العربية والعالم. والملاحظ أن بعض هذه المجالس تدعو منتدين للكلام في مواضيع هامة مختلفة تلقي ضوءًا على مجالات متعددة وفي ذلك تثقيف وتعويد له أثره الإيجابي بالتأكيد على المجتمع، ناهيك عن تضاعف المؤسسات الثقافية التي كانت محدودة جدا في الماضي.
مشاركة :