لولا «الديوان» الذي كتبه الشاعر الفارسي شمس الدين حافظ الشيرازي في القرن الرابع عشر، لما كتب الشاعر الألماني غوته «الديوان الغربي - الشرقي» في بداية القرن التاسع عشر. ولولا ديوان غوته، لما تحمّسَ أربعة وعشرون شاعراً: 12 من الشرق، و12 من الغرب، لكتابة قصائدهم، لتصدر منشورة في «الديوان الجديد»، في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.المترجم النمساوي، فون هامر، تجرأ على فتح كوة في جدار صلد يفصل بين عالمين، وجعل من ترجمته لأشعار حافظ جسراً سيقود، عبر السنين، لحوار شعري يصل بين شاعرين متموضعين في موقعين بارزين، في ثقافتين متباعدتين، وعقليتين ولغتين مختلفتين، وفي عالمين، جغرافياً، تفصلهما مسافات محملة بتواريخ تنز سطورها، ريبة، وكراهية وعداوة، و... دماً.هذه، إذن، محاولة أخرى، لافتة للاهتمام، للتواصل بين الشرق والغرب، تأتي بعد مائتي عام من صدور ديوان غوته، لتحيي ذكراه، وتلفت إليه الأنظار، ولتواصل ما بدأه، وأيضاً، لتكون أكثر تدفقاً، وإصراراً، وجمالاً، وأملاً في تعميق مجرى النهر الذي جرت مياهه، آتية من مدينة فايمر، بوسط ألمانيا. غوته حاول من خلال إصدار ديوانه «توسيع آفاق القراء الغربيين الذين كانوا يجهلون ويخافون العالم الإسلامي». هذه المحاولة الثانية، تطمح، كذلك، لتقريب المسافات البعيدة، وخلق لغة مشتركة، قادرة، بجماليات الخيال الشعري، على تجاوز عراقيل وعقبات الطريق، وما قد زُرِع بها، عبر الزمن، من ألغام.«الديوان الجديد... حوار شعري بين الشرق والغرب»، صدر حديثاً، عن دار نشر Gingko، لندن. وقام بإعداد مواده، الدكتورة برباره شوبيك، وبيل سوينسون، وشارك فيه أربعة وعشرون شاعراً وشاعرة، وستة كُتّاب، واثنان وعشرون مترجماً ومترجمة، وعدد صفحاته 187.«الديوان الجديد»، تحية تقدير وحب، من نخبة كبيرة، من المشاركين فيه، للشاعر الألماني جوهان ولفغانغ فون غوته بمناسبة حلول الذكرى المائتين على صدور ديوانه «الديوان الغربي - الشرقي». وكان غوته قد أصدر ديوانه عام 1819. مقسَّماً إلى اثني عشر كتاباً، كل واحد منها بثيمة «الشاعر، العشق، الغضب، المستبد، العقيدة، الفردوس...»، واختتمه بـ«ملاحظات ومقالات لفهم أفضل للديوان الغربي - الشرقي».تقوم فكرة «الديوان الجديد» على الفكرة ذاتها، أي تقسيمه إلى اثني عشر كتاباً/ موضوعاً، قام شعراء من مختلف بلدان الشرق والغرب بمقابلتها بقصائد، تتواصل عبر الزمن مع قصائد غوته. شاعران/ قصيدتان، من الشرق والغرب، في كل ثيمة/ موضوع.يقول المحرران إنهما سعيا، من إصداره، إلى «إيجاد شعراء متحمسين للانخراط مع قصائد غوته الأصلية، ولكن، أيضاً، على وعي بالمتغيرات الزمنية التي نعيشها. وكان من الممكن التوجه فقط نحو شعراء مهتمين فعلياً بـ(الشرق) و(الغرب)، لكننا، أيضاً، نريد تشجيع شعراء برزوا في ثقافاتهم الخاصة لينخرطوا مع شعر آخر وثقافة أخرى، ليفتحوا أنفسهم لتأثيرات وتجارب جديدة، وهذا مهم لأن الشعر يزدهر ويتطور بالإخصاب المتبادل».افتتح أدونيس الديوان بقصيدة «رسالة إلى غوته»، وتبعه خالد مطاوع، ليبي أميركي، بقصيدة في الموضوع نفسه باللغة الإنجليزية، واختتمه العراقي فاضل العزاوي بقصيدة «جنة فوق الأرض»، وتبعه الألماني جان فاجنر. كل القصائد نُشِرت بلغاتها الأصلية، مرفوقة بترجمات من اللغة الإنجليزية. وبالتأكيد، تفاوتت الجودة، بتفاوت القدرات الفردية بين الشعراء، لكنها جميعاً نجحت في الوصول بالديوان الجديد إلى ما انتواه من غايات، وما أمله من خلق حوار إنساني راقٍ، وممتع، ومشبع جمالياً وفكرياً.ورافقت القصائد مقالات لستة من الكتاب تتعرض لمواضيع ذات صلة بترجمة ديوان الشيرازي، وعلاقته بغوته، والتواصل بين الشرق والغرب.الشعراء المشاركون من المغرب إلى تركيا، ومن سوريا إلى أفغانستان، ومن ألمانيا إلى الولايات المتحدة، ومن إستونيا إلى البرازيل، ونشروا قصائد باللغات العربية، والفارسية، والتركية، والإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والإيطالية، والبرتغالية، والروسية، والسلوفينية.
مشاركة :