أما آن لهذا الليل المدلهم أن ينجلي عن صباح واعد بيوم أفضل. في كل ليلة منذ أن ألغى الرئيس الأميركي ترامب الاتفاق النووي مع إيران وكثير من الناس، وأنا واحد منهم، يحرصون على سماع آخر أخبار اليوم قبل أن يخلدوا إلى النوم. في صباح كل يوم مع تناول إفطار الصباح يحرص أغلب الناس على سماع نشرة الأخبار لعل وعسى أن يكون حدث انفراج ما في هذه الأزمة، طال المدى ولم يلح في الأفق ما يفيد بانفراج قريب. لكن الأخبار لا تقتصر على مشكلة الاتفاق النووي وما خلفه من صراع بين الولايات المتحدة وإيران، بل يغلب عليها طابع الصراعات والاقتتال في شتى أصقاع المعمورة. ليس هذا فحسب، بل يضاف إلى هذه الصراعات تلك الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين وحرائق الغابات وغرق المهاجرين بين أمواج البحر الأبيض المتوسط. أخبار تصيب المشاهد بالهم والغم والغثيان، ما يجعل البعض يقرر الامتناع عن مشاهدة نشرات الأخبار، لكنه سرعان ما يعود إليها مدفوعاً بحب الاستطلاع ومعرفة ما يجري حوله من أحداث قد تؤثر على حياته من قريب أو بعيد، ولكي أكون منصفاً تقدم لنا الأخبار على فترات متباعدة بعض الأنباء السارة مثل الاكتشافات العلمية الطبية والتقدم في مجال العلوم والتقنية. لكن تضل الأخبار في مجملها مثيرة للقلق وجالبة للصداع، من الأمثلة على ذلك أخبار التظاهرات المليونية والاحتجاجات والصراع الدائر في كل من الجزائر والسودان. وسيط اثيوبي وآخر أفريقي والمشكل «مكانك سر» بالعرف العسكري. سفن تتعرض للتخريب وطائرة مسيرة يتم اسقاطها ووسطاء من اليابان وفرنسا في محاولة للتهدئة بين إيران والولايات المتحدة من دون جدوى، ليستمر الوضع كما يقول العسكريون «مكانك سر». وفي اليمن محادثات بين الشرعية وحركة الحوثيين برعاية الأمم المتحدة واتفاقات تعلن ومندوبين من المنظمة الدولية يذهب واحد ويأتي آخر ويبقى الوضع «مكانك سر». قرارات تصدر من الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، وقرارات تدين إسرائيل، وقرارات أخرى تخص لبنان وأخرى بالشأن السوري، وجميعها حبر على ورق.. أي «مكانك سر». بالشأن الليبي صراعات بين الدول الأوربية وخلافات وتدخلات أممية وتدخلات تركية وقطرية ومجموعات إرهابية ترتع فوق الأرض الليبية ومتاجرة بالمهاجرين ويبقى الوضع وكأنه لا يعني أحد.. أي «مكانك سر». الرئيس الأميركي يلغي الاتفاق النووي مع إيران ويرعد ويزبد ويتوعد، ثم يتراجع ويقول نحن لا نريد حرباً مع إيران ويفرض عقوبات مالية وتجارية على إيران وتبقى القضية تراشقا إعلاميا وتصريحات هنا وهناك ويبقى الموضوع كما يقول العسكري لجنوده «استعد .. استرح». ينقضي ليل ويأتي ليل آخر ونحن نردد «يا ليل ما أطولك». هل طال بنا ليل السرى؟ نعم، طال.. وطال كثيراً ولم ينبلج علينا صبح مبصر منذ زمن بعيد، منذ نشأت القاعدة وطالبان وداعش والأخونج وزعيمهم في تركيا، إضافة إلى صدام والقذافي وبشار والبشير وعلي عبدالله صالح وعبدالملك الحوثي و«حزب الله» في لبنان وزعماء «حماس» في غزة ونظام الحمدين في قطر. الحكومة القطرية تنفق أكثر من ثمانية ملايين دولار على قاعدة العديد العسكرية والرئيس الأميركي يقول: «شكراً للرب لأنها من أموالكم وليست من أموالنا». وغير ذلك كثير ويبقى الوضع «مكانك سر». حروب وقتل وتشريد وليل طويل وصبح مدلهم لا نعرف ما يحمل لنا. نعم، طال بنا ليل السرى ونحن نردد شعراً تعلمناه في الصغر: «بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداني». في بلاد العرب غربان تنعق ينطبق عليها القول «أسد علي وفي الحروب نعامة»، نمد لهم يد العون والإحسان فيردون علينا بالجحود والنكران والشتيمة. المثل يقول «افعل معروف وألقه بالبحر»، فعلنا ذلك ولم نسلم من الغمز واللمز والسباب، مع ذلك نعلل أنفسنا ونقول قد ينبلج صبحاً بعد ليل طويل، والمثل الشعبي يقول -أكرمكم الله- «مت يا حمار إلين يجيك الربيع».. مات الحمار ولم يأت الربيع، بل أتانا ما سمي بـ «الربيع» وهو ليس بربيع بل خريف تتساقط منه الأوراق وتتكاثر فيه الأمراض.. ويا قلب لا تحزن. لست متشائماً كما يتصور البعض، فلا يزال الأمل موجودا ولكن للصبر حدود، أيضاً طفح الكيل من واقع مرير ووعود وتهديد من دون فعل يذكر حتى أصبح ينطبق على ما نسمع المثل العربي القائل «أسمع جعجعة ولا أرى طحناً»، فمتى يا ترى نسمع جعجعة ينتج عنها طحناً، متى ينبلج صباحاً يخلو من كل ما هو مزعج، فقط يحمل لنا ربيعا حقيقيا مزهرا تنتعش به عقولنا وقلوبنا بأمن وسلام؟ دمت سالمين. * روائي وكاتب سعودي.
مشاركة :