نظم صالون سحر الرواية، أمسية نقدية بعنوان "المناهج النقدية المتعلقة بفن الرواية"، بمقر الصالون، أدارها الكاتب الروائي فتحي إمبابي، وسط حضور كوكبة من الروائيين والنقاد والمثقفين المهتمين بفن الرواية من بينهم الشاعر والناقد جمال القصاص، والروائي حمدي أبو جليل، والشاعر عاطف عبدالعزيز، والروائي صبحي شحاتة، والروائي محمد داود، والروائية ضحى عاصي، والروائية صفاء النجار، والروائي محمد رفيع، والروائية منى الشيمي، والكاتب أسامة الرحيمي، والمذيع عمرو الشامي، والكاتب شريف العصفوري، والشاعر والروائي حمدي عابدين، والكاتب أحمد عزب العرب، والروائي أحمد إبراهيم الشريف وغيرهم. تحدث الناقد الأدبي الدكتور يسري عبدالله في البداية عن معنى النقد وماهيته، والعلاقة الجدلية بينه وبين النص الروائي قائلا: "كان رهان النقد في الغرب متغيرا باستمرار، حيث الذهنية الغربية ترى العالم في إطاره النسبي والكتحول، فالزمان والمكان في جدلهما الخلاق يتغيران باستمرار، ويطرحان قيما جديدة وتصورات جمالية ومعرفية جديدة أبضا، بينما كان سؤال الماضي سؤالا للثقافة العربية بامتياز، فنحن مشغولون بالزمن الماضي، وكل شيء خاضع لما كان، إن سؤال الماضي وليس مساءلته أعاقنا كثيرا، وكان الانشغال بالزمن الماضي منطويا على هاجس وجودي في غياب الوجودية نفسها لأننا لا نحتفي بالفلسفة وننطلق من تراث راكد مفاده "من تمنطق تزندق"، والماضي دائما مقدم على ما عداه حيث خير القرون هي القرون الغابرة.وأضاف عبدالله، أن الثقافة الغربية تتغير إذن بتغير الزمان والمكان، ومعهما تتغير الأفكار والطروحات ولذلك كل المدارس والمناهج النقدية عاشت جنبا إلى جنب، تجاورت فيما بينها ولم تحيا صراعا يفني أحدها الآخر، فالوعي النسبي يحمل رهانات متعددة، وبدأت فكرة الفرد تحضر مقرونة بالتفكير، وكان الشك الديكارتي ملهما في هذا السياق، حيث أنا أفكر إذن أنا موجود.وأشار إلى سؤال يجب أن نقف أمامه، يمكن تسميته بسؤال المعيار، وهو سؤال لصيق بالنقد، والمعيار كان موجودا منذ القدم، وانتعش مع بعض منظري الواقعية مثل لوكاتش الذي جعل من الشمول معيارا حيويا للأدب الواقعي، ثم غاب في طروحات الحداثة وما بعدها، وتجدد عبر زاوية نظر مختلفة، ومفاهيم أكثر خلقا وابتكارا مع أحد أهم مفكري ما بعد الحداثة فرانسوا ليوتار، الذي تحدث عن طليعية الأدب،حيث يبدو الأدب أدبا حين يتسم بالطليعية التي اكتسبت لدى ليوتار أفقا مختلفا عن فكرة المنظور الروائي الطليعي الذي يصبغ الرواية من زاوية الدلالة السردية فحسب دون أن يتوقف كثيرا أمام الوعي الجمالي الذي يبقى مزيجا بين الأصيل والفريد في توصيف ليوتار.وأوضح أن الأصيل هنا لا يعني محاكاة النماذج السابقة، ولكن أن يتأسس النص على نفسه حتى وهو يتناص مع نصوص أخرى ويحيل إلى أفكار أخرى فإنه يصنع ذلك من أجل المجاوزة والتخطي، وليس المراكمة والسكونية، والثبات.تنفتح الرواية على جملة من الاقتراحات السردية المختلفة، التي لا تبقيها في خانة واحدة، ولا تطرح صيغة أحادية لها، بل إنها تبرز بوصفها مجلى لعشرات التصورات عن العالم، والصيغ الجمالية، والبنائية المتعددة، فالرواية ابنة التنوع والاختلاف، وترميز دال على ذلك المنطق الديمقراطي للكتابة. وربما يشكل انفتاح النص الروائي على مجمل الخبرات الحياتية، والأحلام، والانكسارات، والهواجس، والإخفاقات هاجسَا للكتابة، وملمحًا من ملامحها الحاضرة، فإذا كانت الرواية، بوصفها فنًّا له مواضعاته الجمالية المائزة، فإنها في جوهرها تعد بحثًا أصيلًا عن هذا الوجود.وتبدو العلاقة بين الرواية والواقع ذات طابع جدلي، ولذا فإن الرواية تبدو في تجلٍّ من تجلياتها إدراكًا جماليا للواقع، ومحاولة لاكتناه الداخل الثري فيه، ولذا فإن الروائي يتعاطى مع الواقع بوصفه مادة خامًا تحمل من الاتساع والتنوع ما في الواقع ذاته من خصوبة واختلاف، ومن ثم فهو يختار منه ما يشاء، وفقًا لمنحى الاختيار – المنحى الأصيل في عملية الكتابة-، ثم يعيد تشكيل هذه المفردات وتطويعها وفقًا لرؤيته للعالم.وأوضح عبدالله، أن مسارات الخطاب النقدي تتنوع وتتعدد، فمن كونه تمييزا ما بين الجيد والرديء، إلى كونه استجلاءً لجماليات النص وكشفًا عن جوهره الثري، وصولًا إلى محاولة تلمس العصب العاري داخله، بحيث يصبح الخطاب النقدي ذاته إبداعًا موازيًا من جهة، ورؤية للعالم من جهة ثانية، وربما شهد نقد الرواية تحولات كثيرة، ليس عبر المناهج النقدية الراسخة، أو مداخلات النقد الجديدة فحسب، ولكن أيضًا عبر إجراءات التحليل السردي الجديد، وما تحمله من نزوع علمي واضح، وإن ظلت مساحات التأويل حاضرة دومًا، شريطة اعتماده على أساسات نصية وليس محض تأويل في الفراغ.وأكد عبدالله، أن التحولات التي صاحبت النظرية النقدية في العالم، والانفتاح الذي شهدته الثقافة العربية على مثيلتها الأوروبية ربما ستدفع بأفق التلقي للنظرية النقدية إلى مناحٍ أخرى أكثر رحابة، كما أن الأنواع الأدبية المختلفة قد شكلت سياقاتها النقدية المستقرة، من اصطلاحاتها إلى مناهجها إلى أدواتها الاجرائية، وفي نقد الرواية كنا أمام سيل من النظريات الحديثة، التي منحت هذا المفهوم المستقر معاني مختلفة، وأشكالا متعددة، فمن تطوير خطابات الماركسية والاستفادة من الاتجاه الاجتماعي في نقد الرواية إلى البنيوية بتنويعاتها، والتفكيك بتجلياته، والنقد الثقافي بالتماعاته، وصولا إلى آليات التحليل السردي الجديد.
مشاركة :