لا نحتاج الى مزيد من الشواهد التاريخية، أو مزيد من المؤشرات الدالة على طبيعة الدولة الإيرانية تحت أي حكم كانت، سواء أكان ذلك في ظل الإمبراطوية الساسانية البائدة، أو في عهد الشاهنشاهية المقبورة أو تحت حكم الملالي الحالمين بإمبراطورية منشؤها الغرور المتنامي والمتناهي بأفضلية عرقية موهومة مزعومة على أمم الجوار ومنهم العرب المشغولون بانقساماتهم؛ لندلل على أن اليوم شبيه بالأمس وأن الغد صناعة اليوم بصرف النظر عن المسمى الذي تتخذه إيران. إيران، الثورة المستمرة أبدا والمنتفخة أوداجها حقدا دفينا على جيرانها وأفضلية مكذوبة تعرض نفسها دائما على أنها نظام سياسي له مواصفات الدولة الكبرى والدولة الأحق في المنطقة فتتصرف في ضوء أوهامها تلك، بل وتوظفها في تصدير ثورتها المجنونة تصديرا بات من المعلوم أنه وسيلة لدرء تداعيات أزمات داخلية تزعج ملالي طهران وتهدد سيادتهم. ثمة مشكلة مقيمة في بعض مجتمعاتنا العربية استزرعتها «الثورة» الخمينية، وروّج لها «حزب الله» فاستفحلت. هذه المشكلة ينبغي علينا حكومات ومجتمعات وضعها في الاعتبار ونحن ندخل منعطفا حادا مع احتمالات حدوث مواجهة عسكرية بين إيران والدول الكبرى. وتتمثل هذه المشكلة في أن أتباع النهج الخميني المتطرف ينصاعون، كأي جماعة آيديولوجية، لما تنطق بها مراجعهم المريضة بداءاتها المذهبية المتطرفة، حتى لو كان هذا النطق من نسج خيالاتهم. إيران لم تتورع قط عن إظهار نواياها التوسعية، وظل الحلم ببناء إمبراطورية يراود هؤلاء وأولئك والذين من قبلهم، وقد ترجمت ذلك فعلا موجعا في بعض البلدان العربية التي تشهد تمزقات اجتماعية سهلت للانهيارات الأمنية فيها، وفرضت كلمتها عليها. إيران الحالمة تاريخيا بالتوسع خصت بأطماعها بعض دول مجلس التعاون قبل تأسيسه وخصوصا البحرين، ومن بعد نشأة هذا الكيان اتجهت بأنظارها إلى ضم الدول العربية إلى أجندتها آحادا، وبعد أن استفحل غرورها راحت تتحدث عنهم جماعات. بالأمس كانت البداية بلبنان باستزراع تنظيمات طائفية هيأ لها الوضع اللبناني المتعفن أصلا بحربه الطائفية التي ما كان لها أن تضع أوزارها لولا جهود عدد من الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ويبعث حزب الله الإرهابي الذي مثل الامتداد المخابراتي والعسكري لملالي طهران، وبعد لبنان كانت سوريا ومن ثم العراق وها هم يتطاولون ويمدون أعناقهم إلى دول مجلس التعاون، ونرجو ألا تكون قطر بداية للاختراق الأمني لدول المجلس. إيران بحكمها القائم على ولاية الفقيه، وهو حكم يمعن في خلق المشكلات لشعبه وللأمم الأخرى، المجاورة له والبعيدة، تستجدي المواجهات العسكرية من قناعة دينية مختلف حولها وتتمثل في أن الحكم فيها يأخذ على عاتقه تهيئة الظروف الموضوعية والذاتية لظهور «المهدي المنتظر» ليملأ الأرض عدلا. لن أناقش المعتقد دينيا فحرية الضمير مبدأ من مبادئ ميثاق البحرين الوطني ومبدأ كوني من مبادئ حقوق الإنسان، ولكني مقتنع بأن في هذا فهما يتعارض مع كل ما توصلت إليه الأمم في مسيرتها الإنسانية في ثقافة حقوق الإنسان. ولهذا فإن وسائل ملالي إيران ومتطرفيها تتمثل في برنامجهم النووي الذي يستثمرون فيه اليوم إلى أقصى حد ممكن في مصلحة بقاء النظام وتقويته على حساب جوارهم الجغرافي. مع تفاقم الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية على حكام إيران نتيجة صرامة العقوبات الاقتصادية التي تنفذها الولايات المتحدة، وتقف معها دول مهمة في الخليج العربي، فإنهم لن يوقفوا مساعيهم لمحاصرة منطقتنا بالمآسي واستحضار البلاء لكي يعم هذه المنطقة من العالم. كان واضحا منذ زمن وبشكل جلي أن دولة ولاية الفقيه عملت على استزراع الشر في بلدها وها هي اليوم تعيد توزيع حصاده بمقادير كفيلة بخلق الفتن وصناعة الأزمات لتكتسح المجتمعات المجاورة لها. لكن في تصوري أن مسعاها في هذا الاتجاه محكوم بالفشل، فلئن نجحت إيران ظرفيا في أن تحيّد بعض دول المنطقة فإنها ستفشل حتما في إبقاء هذه الدول على هذا الحياد الظرفي. والحديث هنا طبعا لا يشمل دولة قطر التي اختارت بغباء ولاة الأمر فيها فصل الإنسان عن بني جلدتها والارتماء في أحضان حكم الملالي على حساب ثقافة مجتمعها الخليجي العربي وقيمه ومبادئ الأخوة التي تحكمه. ثمة حقيقة أخرى أخيرة أيضا ينبغي إدراكها وهي أن لا قيمة لأي اعتبار آخر لدى الملالي أو لدى أفراد الحرس الثوري والجيش الإيراني فوق اعتبار استمرار نظام حكمها الحالي، وفوق اعتبار تفوق إيران مهما كلف ذلك من ثمن؛ لأن التنازل عن البرنامج النووي مقدمة لسقوط النظام. أنا شخصيا على يقين من أن إيران كنظام سياسي ينسج قماشته البيضاء بيديه ليلقى في مزبلة التاريخ عبرة لكل من تحدثه نفسه بأن يغامر لإنشاء كيان سياسي ثيوقراطي في عصر الحريات، وأن ملالي قم يكتبون سيناريو نهاية نظامهم المحتومة باختيارهم طريق الصلف والتعنت والغطرسة وتهديد الجيران بل والانتقال إلى تهديد العالم بمفاعلات نووية ليست محسوبة المخاطر ولا الأكلاف البشرية. وهذه الخلاصة ليست مبنية على ما تتعرض له إيران من ضغوط دولية، وإن كان لها التأثير القوي، وإنما النظام ببنيته الثيوقراطية غير قابل للحياة في القرن الواحد والعشرين.
مشاركة :