قام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الثلاثاء بزيارة إلى عمّان بدعوة من نظيره الأردني أيمن الصفدي، في مؤشر يحمل أكثر من دلالة لجهة تطور العلاقات التركية الأردنية. وبحث أوغلو في لقائه مع الصفدي سبل تعزيز العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين، وبعض المسائل الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بحسب ما أوردته وزارة الخارجية التركية. وقطع الأردن في الفترة الأخيرة أشواطا نحو تعزيز التقارب مع المحور التركي القطري، فيما بدا تحوّلا في سياساته الخارجية، التي كانت تميل نحو محور الاعتدال في المنطقة الذي تتصدّره كلّ من السعودية والإمارات ومصر. وتُرجم هذا التحوّل في زيادة التنسيق الأردني التركي، مع استعادة عمّان دفء العلاقة مع الدوحة، تكرّس بصدور إرادة ملكية الأسبوع الماضي تقضي بتعيين زيد مفلح اللوزي سفيرا فوق العادة لدى قطر، بعد تخفيض التمثيل الدبلوماسي قبل أكثر من عامين في تماه مع قرار المقاطعة الخليجية المصرية للدوحة على خلفية دعمها لتنظيمات إرهابية وعلاقاتها المثيرة للجدل مع إيران. التحول الأردني يأتي في وقت تشهد المنطقة عملية فرز حادة للتحالفات الإقليمية، الأمر الذي يقلق دوائر في المملكة وكانت استبقت تلك الخطوات عملية “تطبيع” تدريجية للعلاقة بين النظام الرسمي الأردني وجماعة الإخوان المسلمين، بعد توتر شابها على خلفية دور الجماعة في الاحتجاجات التي شهدتها المملكة في العام 2011، ضمن ما يعرف بثورات الربيع العربي. ويأتي التحوّل الأردني في وقت تشهد المنطقة عملية فرز حادة للتحالفات الإقليمية، الأمر الذي يقلق بعض الدوائر الأردنية التي تتحفّظ على السير في هكذا مجازفة، خاصة وأنّ الأردن رغم ميله في السابق إلى ما يسمّى بمحور الاعتدال، بيد أنه كان يحافظ على قدر من التوازن على مستوى علاقاته الخارجية. ويقول دبلوماسيون إن التوجّه الأردني الجديد لن تنظر إليه كل من مصر والسعودية والإمارات بعين الارتياح، في ظل الوضع الإقليمي الملتهب والذي تتحمل كل من تركيا وإيران المسؤولية الأكبر عنه جرّاء سياساتهما وما خلّفته من توترات باتت تهدد بهزّات عنيفة بالمنطقة. ويشير الدبلوماسيون إلى أن تركيا وقطر نجحتا في استيعاب الأردن واستمالته عبر اللعب على جملة من الأوتار الاقتصادية والسياسية. وكانت الزيارة التي أدّاها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وعقيلته رانيا العبدالله إلى تركيا في فبراير الماضي قد شكّلت نقطة التحوّل الجوهرية على مستوى العلاقة مع أنقرة، حيث حظي الملك بحفاوة لافتة من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان وعقيلته أمينة أردوغان، وتخلل تلك الزيارة توقيع جملة من الاتفاقيات المهمة.ودرج المسؤولون الأتراك منذ الزيارة “الاستثنائية”، وخاصة في معرض تطرقهم بالمحافل الدولية إلى القضية الفلسطينية على تأكيد وقوف بلادهم مع الأردن، خاصة في ما يتعلق بالدفاع عن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. ومن بين التصريحات تلك التي وردت على لسان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو خلال اجتماع الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي “الناتو” بمدينة أنطاليا التي أكد فيها على دعم بلاده للوصاية الهاشمية على القدس. وشدد أوغلو في كلمته على موقف تركيا الواضح الداعم للأردن، مُعرباً عن إدراك بلاده لحجم التحديات والضغوط التي يتعرض لها الملك عبدالله الثاني. وقال إن موقف تركيا لن يكون إلا ذات موقف الملك عبدالله الوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية، داعيا الدول العربية مع تركيا إلى تشكيل موقف موحد لدعم الملك. وتدرك تركيا مدى حساسية الأردن حيال ملف الوصاية على المقدّسات في القدس، والتي ازدادت بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل. وهناك قلق أردني لجهة إمكانية سحب الوصاية منه، وتتعمد بعض الجهات الغمز إلى وجود نوايا سعودية لتولّي تلك المهمة بدلا عنه، مع أن الرياض قد أكدت في أكثر من مناسبة على دعمها ومساندتها لعمّان في الحفاظ على دورها في المدينة. وليس هذا فقط ما يؤرق الأردن فهناك مسالة عودة الحديث عن الوطن البديل، خاصة مع تسريبات تتحدث على أن خطة السلام الأميركية المعروفة بصفقة القرن، والتي تم عرض الشق الاقتصادي منها في ورشة بالمنامة الشهر الماضي وشاركت فيها عمّان، تسقط حق العودة للملايين من اللاجئين الموزعين على الدول المجاورة وبينها الأردن. وتخشى عمّان من أن تجبر على قبول مبدأ توطين الفلسطينيين وما سيكون لذلك من تداعيات على تركيبتها الديموغرافية، والتي ستحمل معها بالضرورة تغيّرات على الصعيد السياسي. وتقدّم تركيا نفسها على أنها ستكون الطرف الداعم للأردن في مواجهة هذه التحديات، وإن كان كثيرون يتشككون في حقيقة هذا الدعم إن حصل، خاصة وأن أنقرة في وضع بالغ التعقيد، وهي غير قادرة على مواجهة الولايات المتحدة في الدفاع عن مصالحها فكيف إذا كان الحال يهمّ دولة أخرى.ويقول مراقبون إن النقطة الثانية التي تقود الأردن نحو المحور القطري التركي، هو عتبها على تراجع الدعم السعودي لاقتصادها المنهك، ذلك أن الرياض بدت في السنوات الأخيرة تنتهج سياسة أكثر صرامة وحزما في دعم حلفائها، من خلال التثبّت في كيفية صرف تلك الأموال بعد أن ثبت أن جزءا كبيرا من دعمها يذهب نحو مسالك أخرى. ويشير المراقبون إلى أن قطر التي تعاني من عزلة عربية خانقة، سعت إلى استثمار الوضع من خلال تقديم وعود بدعم عمان اقتصاديا، ورغم أن هذه الوعود لم تترجم حد اللحظة إلى انجازات على أرض الواقع باستثناء تشغيل بضعة آلاف من الأردنيين (لا يتجاوزون ثلث ما تعهدت به)، إلا أن عمّان التي تبدو مثل “الغريق” مستعدة لأن تتمسك بأي خيط حتى وإن كان سرابا على حد تعبير أحد السياسيين. وأعلنت قطر في يونيو 2018 عن نيّتها توفير 10 آلاف موطن شغل للأردنيين، مع استثمار 500 مليون دولار في مشاريع البنية التحتية والسياحة في المملكة. جاء ذلك بعد أيام قليلة من قمة عقدت في مكة برعاية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبحضور الملك عبدالله الثاني خصصت لدعم اقتصاد الأردن والتي لم تشارك فيها الدوحة. وكانت تلك الهبّة الخليجية مرتبطة بالاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي شهدها الأردن على خلفية الأزمة الاقتصادية التي يواجهها، والتي دفعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات ضريبية أثارت غضب الشارع الأردني. ويرى دبلوماسيون أن توجّه الأردن نحو قطر وتركيا المأزومتين، ينطوي على مخاطرة كبيرة وقد تكون له مفاعيل سلبية على مستوى علاقتها مع الدول العربية المحورية، التي هي في أمسّ الحاجة لدعمها اليوم.
مشاركة :