الخرطوم – أعلنت الحكومة السودانية استعدادها لدفع أي فاتورة للحفاظ على التقارب مع تركيا الذي تعزز خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السودان ووقع فيها عقودا عسكرية واقتصادية وكان المثير فيها موافقة الخرطوم على منح أنقرة جزيرة سواكن على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرق السودان لإدارتها بالكامل ضمن مشروع لإعادة ترميم الاثار العثمانية فيها وبناء حوض للسفن واعادة تهيئة مينائها. ونددت الخرطوم بانتقادات وسائل إعلام مصرية لهذا التقارب معتبرة أنها تهدف إلى "اغتنام الفرص للنيل من السودان وشعبه ورئيسه عمر البشير". وقال نائب رئيس الوزراء وزير الإعلام السوداني أحمد بلال عثمان في مؤتمر صحفي "البعض يلعب بالنار ونحن دولة مستقلة سياسيا واقتصاديا ومستعدون لدفع أي فاتورة للتقارب مع تركيا مهما كانت الظروف ولن نقبل بتحقير الشعب السوداني". ودافعت الحكومة السودانية بشدة عن التقارب مع تركيا الذي فسر على أنه تعزيز للمحور التركي القطري السوداني، نافية الانخراط في سياسة المحاور، إلا أن محللين ووسائل اعلام عربية اعتبرت أن زيارة أردوغان للسودان وتشاد وتونس تستهدف توسيع التمدد التركي في افريقيا وتهديدا لأمن دول المنطقة. وأفضت زيارة أردوغان للسودان إلى الحصول على موافقة سودانية لإدارة جزيرة سواكن التي لها رمزية تاريخية بالنسبة لتركيا وأهمية استراتيجية كونها تشكل ممرا مائيا على الساحل الغربي للبحر الأحمر. وذهب بعض المحللين إلى أن التركيز التركي على ايجاد موطئ قدم على الساحل الغربي للبحر الأحمر وتوقيع اتفاقيات عسكرية مع الخرطوم يستهدف بالأساس الأمن القومي العربي. وكان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش قد حذّر الأربعاء من الطوق الأمني التركي والإيراني انطلاقا من السودان، منبها إلى ضرورة التكاتف والتعاون العربي في مواجهة هذا التمدد. لكن الوزير السوداني قال إن "الاتفاقيات التي وقعناها مع الجانب التركي وعلى رأسها التعاون العسكري، ليست سيفا مسلطا على أي دولة من دول الجوار". واعتبر أن "الحديث عن زيارة الرئيس التركي وتحريفها بأن تأتي في إطار بناء محور تركي قطري سوداني، خطأ وغير وارد في الحسابات"، مضيفا "الذين اغتنموا الفرص للنيل من السودان والشعب السوداني والرئيس البشير عليهم أن يتوقفوا". وقال إن الزيارة تأتي "في إطار تبادل المنافع والتعاون مع تركيا في ظل ما تشهده المنطقة من قرارات جائرة خاصة المتعلقة بالقدس"، مذكّرا بأن الخرطوم رفضت القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل على الرغم من الضغوطات. وهاجم نائب رئيس الوزراء وزير الإعلام السوداني وسائل اعلام مصرية، منتقدا ما وصفها بـ"انفلاتات غير أخلاقية" تكررت كثيرا وفيها "الكثير من السوء". وحذر من أن "نقل التوتر على المستوى الشعبي خطير للغاية خاصة وأن الخلافات بين الخرطوم والقاهرة أمر طبيعي، لكن علاقاتنا مع الشعوب قائمة على الاحترام". ونفت السفارة السودانية في الرياض الخميس أن يكون توقيع السودان اتفاقيات مع تركيا بما في ذلك المتعلقة بجزيرة سواكن، تهديدا للأمن العربي. ورفض المتحدث الإعلامي باسم السفارة المعتز أحمد إبراهيم في تصريح لقناة سي إن إن تناول بعض وسائل الإعلام العربية للاتفاق السوداني التركي حول الجزيرة باعتباره إشارة إلى تبعية السودان لتركيا. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن خلال زيارته إلى السودان عن توقيع 22 اتفاقية بين البلدين تشمل مجالات اقتصادية وعسكرية. وأنهما تهدفان إلى رفع حجم التجارة بينهما إلى 10 مليارات دولار أمريكي. وقال أردوغان إنه طرح مشروع إعادة إعمار وترميم جزيرة سواكن السودانية في البحر الأحمر ووافق الرئيس السوداني عمر البشير على ذلك. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إنه "تم توقيع اتفاقيات بخصوص أمن البحر الأحمر"، مؤكدا أن تركيا "ستواصل تقديم كل الدعم للسودان بخصوص أمن البحر الاحمر". وأضاف "أنقرة مهتمة بأمن افريقيا والبحر الأحمر ونحن مهتمون بأمن السودان وإفريقيا والبحر الأحمر". وسلطت تلك التصريحات الضوء على خطط تركيا للتمدد في افريقيا من بوابة اتفاقيات التعاون العسكري والاقتصادي وتوسيع مناطق نفوذها في المنطقة في توجه يستهدف على الأرجح السيطرة على منافذ استراتيجية. وتدعم تركيا جماعات الاسلام السياسي وجماعات اسلامية متطرفة في المنطقة وسبق أن اتهمت ليبيا تركيا والسودان بتسليح معارضين متشددين والتدخل في شؤونها الداخلية بترجيح كفة طرف على حساب الأطراف الأخرى، لكن أنقرة والخرطوم تنفيان تلك التهم. كما سبق أن اتهمت مصر النظام السوداني بدعم معارضين متشددين على أراضيها وردت الخرطوم باتهام القاهرة بدعم المعارضة السودانية. ولا يأتي التحرك التركي في المنطقة من فراغ ويبدو أنه عملية مدروسة تستهدف في المقام الأول أمن مصر، رغم أن الخرطوم تنفي أن يكون التقارب التركي موجها ضد أي دولة. وتركيا إلى جانب قطر من أبرز داعمي جماعة الاخوان المسلمين التي تصنفها القاهرة ودول الخليج تنظيما ارهابيا. كما توفر الدولتين ملاذا آمنا ودعما غير محدود لقيادات اخوانية ومنصات اعلامية تهاجم باستمرار النظام المصري وتحرض على العنف لقلب نظام الحكم في مصر. وتصف كل من الدوحة وأنقرة عزل الاخوان في مصر على اثر ثورة شعبية طالبت برحيلهم من الحكم بأنه "انقلاب عسكري".
مشاركة :