في مثل هذا اليوم 24 يوليو من عام 1854 تسلم محمد سعيد باشا، حكم مصر، وهو ابن محمد علي، والذي ولد سنة 1822 واختار له والده السلك البحري فدربه على فنون البحرية وجعل شأنه شأن تلاميذها.ولما أتم دراسته انتظم في خدمة الأسطول واعتاد النظام الذي هو أساس الحياة العسكرية وارتقى "سعيد" في المراتب البحرية حتى وصل في أواخر عهد أبيه إلى منصب "سر عسكر الدوننمه" أي القائد العام للأسطول. امتاز "سعيد" بالعديد من الأخلاق الحميدة منها شجاعته وميله إلى الخير وتسامحه وحبه للعدل، كما شهد عصره العديد من الإصلاحات في كل المجالات منها المجال الاقتصادي، نجده قد خفض الضرائب على الأرض الزراعية وأسقط المتأخرات التي وصلت إلى 8000000 جنيه، فاستراح الفلاحون من أعباء الضرائب والمتأخرات التي كان عمال الجباية يرهقونهم للحصول عليها، ومنح الفلاحين حق تملك الأرض طبقًا لقانونه الشهير "اللائحة السعيدية" الصادرة في 5 أغسطس سنة 1858، فشعر الفلاحون بالراحة والطمأنينة علاوة على ذلك ألغى ضريبة الدخولية التي كانت تجبى على الحاصلات والمتاجر، فكانت مصدر إرهاق للأهالي وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار واشتداد الغلاء، فكان إلغاؤه لها تخفيفا عن الأهالي وتحريرا للتجارة الداخلية. كما قام بتطهير ترعة المحمودية وإتمام الخط الحديدي بين القاهرة والإسكندرية الذي كان قد بدأه عباس باشا، ومد الخط الحديدي بين القاهرة والسويس وفتح المواصلات سنة 1858 فعاد على ميناء السويس وعمرانها بالفوائد الجمة، كما اهتم بالملاحة التجارية الداخلية والخارجية فأنشأ شركتين للملاحة إحداهما نيلية (1854) والأخرى بحرية (1857).وفي المجال الاجتماعي والثقافي أصدر لائحة المعاشات للموظفين المتقاعدين وأصلح مجلس الأحكام بعد أن قام بعدة تغييرات في هيكله، كما أصلح القضاء الشرعي كما منع نقل الآثار المصرية إلى الخارج التي كانت نهبًا لتجار الآثار والمغامرين وجمعها في مخازن أعدت لها في بولاق، وأصلح جامع السيد البدوي في طنطا وأصلح نظام الإدارة وأنهى الاختلاط الذي كان متبعًا في التقويم، حيث كان هناك التقويم الهجري والميلادي والقبطي فحدد لكلٍ وظيفته.وقام ببعض الإصلاحاته الحربية كتقصير مدة الخدمة العسكرية ثم عممها على جميع الشبان على اختلاف طبقاتهم، فجعل متوسط الخدمة سنة واحدة وبذلك أدخل في نفوس الناس الطمأنينة على مصير أبنائهم المجندين، وعلاوة على ما تقدم فإن سعيد باشا عنى بترفيه حالة الجنود والترفيه عليهم من جهة الغذاء والمسكن والملبس وحسن المعاملة، وكان سعيد ميالا إلى ترقية الضباط المصريين.خاضت مصر في عهد سعيد باشا حربين الأولى حرب القرم التي استمرت بعد وفاة عباس باشا، وأرسل سعيد باشا نجدة إلى الجيش المصري واستطاعت تركيا وحلفاؤها بفضل بسالة الجيش المصري التفوق على الروس وإبرام الصلح بينهما سنة 1856م في مؤتمر باريس.أما الحرب الثانية فهي حرب المكسيك وقد تأخذك الدهشة في اشتراك مصر في حرب المكسيك بأمريكا إذ لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ولكن كذلك شاءت ميول سعيد نحو نابليون الثالث إمبراطور فرنسا في ذلك العهد وصداقته له أن يلبي دعوته حينما طلب إليه أن يمده بقوة حربية مصرية تعاون الجيش الفرنسي بها.ومن أبرز إنجازاته قناة السويس، حيث إنها تمثل اليوم شريانًا من شرايين الحياة لمصر، وفي 30 نوفمبر سنة 1854م منح سعيد صديقه فرديناند ديليسبس امتياز تأسيس شركة عامة لحفر قناة السويس واستثمارها لمدة 99 سنة ابتداء من تاريخ فتح القناة للملاحة، وهو المعروف بعقد الامتياز الأول تمييزًا له عن عقد الامتياز الثاني المؤرخ في 5 يناير سنة 1856م والتي كانت شروطه مجحفة لمصر من وجهة نظر البعض.
مشاركة :