حبيب الصايغ لا تكهنات، لكن الانقطاع عن كتابة هذه الزاوية لمدة ستة أيام كان بسبب السفر إلى الأردن مشاركاً في مهرجان جرش للشعر. أحيي أهلنا في الأردن الشقيق، خصوصاً قبيلة المثقفين وفصيلة الشعراء، وأحيي إدارة مهرجان جرش ورابطة الكتاب الأردنيين، كما أحيي الأردن على هذه المثابرة والجدية في تنظيم مهرجان بات علامة فارقة في الثقافة العربية.والآن ندخل في الزاوية الحادة:جهود مثل «جرش» في الأردن و«قرطاج» في تونس، والجهود والمبادرات المتتالية في الإمارات في أفق اهتمام نوعي بالشعر والثقافة بشكل عام جهود مقدرة بالتأكيد، لكن أين الجهود العربية الثقافية المشتركة في إطار مؤسسي إذا استثنينا ما تقوم به الشارقة بإشراف مباشر من راعي الثقافة العربية اليوم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهو الذي أسهم في توحيد الثقافة العربية وأوصلها إلى العالمية؟ وأين ثمار اشتغال جامعة الدول العربية خصوصاً على الموضوع الثقافي؟ إدارة الثقافة في الجامعة العربية أصبحت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «أليكسو» منذ العام 1970، لكن عمل المنظمة حتى الآن باهت، ولا تشعر به الدول العربية في مجموعها، ولا يشعر به المثقفون العرب في مجموعهم، وأول الأسباب أن هذه المنظمة تعمل وكأنها ظل حقيقي للجامعة العربية، فتلتزم سقف التقليد الخفيض ولا تتجاوزه، وتلتزم الرسمية والبيروقراطية والصبر والملل إلى آخره.لا يعرف الكثيرون أن ل «أليكسو» قطاعات ومعاهد تابعة تتوزع في عديد البلاد العربية، ومنها معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة، ومعهد المخطوطات العربية في المدينة نفسها، ومعهد الخرطوم الدولي للغة العربية، والمركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر في دمشق، ومكتب تنسيق التعريب في الرباط. أسماء رنانة، فمن لمس تأثيرها في تراكم عمل ثقافي عربي مشترك؟إلى ذلك، تنظم المنظمة الاجتماعات الدورية لوزراء التعليم والثقافة العرب، فهل من تأثير لاجتماعات تعقد بعيداً عن الميدان، ميدان المعلمين والمثقفين في هذه الحالة؟الكلام إلى «أليكسو»، والكلام إلى الجامعة العربية في العموم: الثقافة لا تقل عن السياسة في تأسيس مستقبل وحركة بناء إن لم تفق وتتفوق، وإذا كانت السياسة تفرق العرب، فإن الثقافة تجمعهم. المطلوب، وبعد تجربة كل هذه العقود، الالتفات أكثر إلى الثقافة، ومن ذلك عقد قمة ثقافية عربية على غرار القمم السياسية والاقتصادية، وهذا المطلوب في حال تحققه سيكون معياراً جديداً لتقييم، وفي اللغة الأصح، تقويم العرب ومدى استعدادهم للحاضر والمستقبل، فحتى السياسة بما هي فكر وليست عملاً يومياً، إنما تندرج في جدول أية قمة ثقافية محتملة، ناهيك عن الإرث العربي الواحد المهم بما لا يقاس بما فيه الإرث الحديث.فإلى متى تعامل المؤسسة العربية الرسمية، مجتمعة، الثقافة العربية باعتبارها هامشية وغير مهمة؟ وإلى متى تعامل المثقفين العرب، كما لو كانوا الأيتام على موائد اللئام؟ أمر معيب حقاً.التحية للجهود الثقافية المحلية في كل دولة عربية، لكن الثقافة العربية الواحدة، بسبب من طبيعتها، تحتاج اشتغالاً عربياً واحداً نحو الاكتمال والتكامل، فهل يعقل القوم، وهل يستقبلون شمس التجديد الحقيقي بعد سبات طويل؟ habib@daralkhaleej.ae
مشاركة :