مستلهمة مجد الأدباء والشعراء الراحلين الذين أثروا الوجدان العربي، قدمت مهرجانات بيت الدين بجبل لبنان هذا العام المسرحية الغنائية “الأجنحة المتكسرة” المأخوذة عن قصة بذات الاسم للكاتب والشاعر اللبناني جبران خليل جبران. جاء العرض ليل الأربعاء في مستهل ثلاث ليال تقدم فيها المسرحية بالباحة الداخلية من قصر بيت الدين الشهابي، حيث قدم اللبناني نديم نعمان والقطرية دانة الفردان المسرحية الموسيقية المقتبسة عن قصة الأديب الراحل. حكاية مؤثرة يجسد الفنانون في العرض حكاية كان قد خطها الشاعر والكاتب والرسام جبران (1883-1931) قبل أكثر من مئة عام ويقدم فيها معاناته مع التقاليد البالية في المجتمع حيث تابع الجمهور على مدى ساعتين قصة تحمل مجموعة من الأغاني، وتناقش الحب والزواج والدين والألم والخسارة وحرية الاختيار والهجرة. وتتناول القصة حكاية أول حب عاشه جبران في عمر الثامنة عشرة، حين عاد من رحلة خمس سنوات في الولايات المتحدة الأميركية، ليقع في حب فتاة يتم إجبارها على الزواج من شخص لا تريده، لكن مصالح الأهل وإرادتهم تعلوان على الحب. الحكاية التي دوّنها جبران هي حكاية حقيقية حدثت معه، حكاية مؤثرة للغاية تواصل تأثيرها على حياة الكاتب؛ يحكي جبران كيف طلب منه فارس كرامة أن يزوره في بيته ليحدثه أكثر عن ماضيه مع والده: ولكي يعرفه على ابنته. فقام الكاتب بزيارة السيد كرامة وهناك تعرف على ابنته سلمى وكانت علاقته قوية بأبيها، أحبها من أول نظرة وأصبح يزورها دائما. كان في كل مرة يتعرف أكثر على سلمى ويزداد حبه وتعلقه بها. استدعى المطران السيد فارس للتحدث معه في أمرٍ مهم مما اضطره للتوجه إليه في الليلة ذاتها وهذه كانت فرصة استغلها الكاتب ليعترف بحبه لسلمى التي بادلته نفس الشعور أيضا. عند عودة السيد فارس من لقائه مع المطران أخبر سلمى بقرار زواجها من ابن أخ المطران، منصور بك والذي كان معروفا بطمعه في الحصول على أملاك سلمى ووالدها. تزوج منصور بك بسلمى على غير إرادتها، ومرت الأشهر والفصول. بعد هذا الحادث بدأ الكاتب وسلمى يلتقيان مرة في الشهر في معبد صغير بعيد عن بيتها. في السنة الخامسة لزواج سلمى ومنصور بك حملت سلمى بطفل، وبعد الولادة توفيت هي وطفلها. وسبق أن قدّم العرض قبل عام في لندن، لكن أدخلت عليه تعديلات ليتناسب مع التغيرات والمستجدات العصرية.واعتبر المنظمون أن لبنان سيكون المحطة الأولى في جولة بالشرق الأوسط والعالم. ويؤدي نديم نعمان دور جبران الكبير في المسرحية التي عرضت باللغة الإنكليزية إضافة إلى مجموعة فنانين من نجوم وست إند في لندن. يقول نعمان (34 عاما) “بالنسبة إلي كشخص لبناني عشت في لندن فأنا أرى أن هناك تشابها وأفهم تماما كيف تشعر عندما تعيش في مكان آخر وتشعر بالاتصال بدولة أخرى”. ويضيف “الأشياء لا تزال تحدث الآن، كيف تشعر حين تكون مهاجرا وكيف تشعر حين مغادرتك لوطنك، كيف يشعر المرء وهو ينشأ في مجتمع ليس له حرية فيه وكل شيء محكوم بالتقاليد، وإذا ما رغب في شيء فإنه لا يمكنه الحصول عليه، كما أن تراتيب الزواج وكل هذه الأشياء لا تزال تؤثر على العديد من العائلات إلى اليوم، وهذا أمر لا يصدق حقا، ولاسيما كم كان يؤمن جبران بالمساواة للنساء، وكم كان صوتا لحقوق المرأة”. ويتابع قائلا “لهذا السبب قدمنا العرض باللغة الإنكليزية مع مجموعة غربية أو دولية لأن هذا ما كان عليه جبران، لقد كان شابا يسافر إلى جميع أنحاء العالم وكتب بلغات أخرى”. تاريخ وحاضر يعود إخراج العرض للأيرلندية برونا لاجان التي وجدت في العمل المكتوب عام 1912 العناصر التي تجعله عالميا ويمكن استشعاره والتفاعل معه أينما عُرض. تقول مخرجة العمل “القصة هي قصة لبنانية لكن الموضوعات عالمية، لقد عانينا جميعا من الحب ووجع القلب والموت، وهذا البحث عن وطنك وهويتك، هذه الموضوعات العالمية تجعلها متصلة بالعالم”. وتضيف “أن تكون هنا هو أمر ساحر تماما، وأن تكون محاطا بجدران القصر هذه (قصر بيت الدين التاريخي الأثري) وأن ترى ليلا مجموعة من النجوم فوق رأسك وبجانبك تلال مليئة بالمنازل المتلألئة، عندها تعرف لماذا كتب جبران ما كتبه”. وتحمس لإنتاج العرض الضخم اللبناني المقيم في لندن علي مطر والذي يشعر بالفخر تجاه النتاج الأدبي لمواطنه جبران ويتطلع إلى مشاركته مع أكبر عدد من الجمهور حول العالم. ويقول مطر “أشعر أنه من الواجب بطريقة ما إخبار الناس عن عمل جبران، وإظهار لبنان تحت ضوء جميل، وجبران يفعل ذلك بنا خاصة أولئك الذين يعيشون خارج لبنان”. وحظي العرض بقبول واسع من جمهور مهرجانات بيت الدين الذي صفق طويلا لفريق العرض المكون معظمه من بريطانيين. وكان من بين الحضور أيضا الإعلامي اللبناني نيشان الذي يقول “ممتع، للأذن وللعين، والحواس. هذه المسرحية تهز كل الأسس التي يمتلكها أي منا، تقول إنه التاريخ الذي مازلنا نعيش فيه”. وتستمر سهرات وحفلات وعروض مهرجانات بيت الدين هذا الصيف حتى العاشر من أغسطس القادم.
مشاركة :