الكتابة للمسرح مغامرة بلا مردود

  • 7/28/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: الخليج يبدو «شريف صالح» مخلصاً للنوع الأدبي الذي يكتبه، فهو لا يكتب سوى القصة القصيرة (له رواية واحدة)، ينافسها في ذلك إخلاص الكتابة للمسرح، فقد كتب عدداً من المسرحيات، التي أهّلته للفوز بالتقدير والجوائز، حيث فاز بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2010 عن مسرحيته «رقصة الديك»، وفاز بجائزة أفضل مؤلف مسرحي من مهرجان أيام المسرح للشباب في الكويت، عن مسرحيته «مقهى المساء»، وفي الكويت أيضا قدمت مسارحها ثلاثة عروض له، منها عرضان للأطفال بعنوان «عيون الغابة» و«الأقدام الذهبية»، كما أنه ناقش منذ أسابيع رسالته العلمية للدكتوراه عن مسرح يسري الجندي، بتطبيق المنهج السيميائي على أعماله المسرحية. لماذا اخترت مسرح يسري الجندي لرسالة الدكتوراه التي ناقشتها منذ أسابيع؟ - كان اختيار مسرح يسري الجندي للدكتوراه باقتراح من أستاذتي الراحلة نهاد صليحة، فهي كانت ترى أن الكبار نالوا حظوظهم في الدرس الأكاديمي مثل توفيق الحكيم وسعد الله ونوس، بينما كتّاب المسرح من جيل الستينات ومن تلاهم لم يحظ باهتمام إلا فيما ندر، وكان هناك عامل آخر شجعني وهو أن نصوص الجندي بطبيعتها هجينة ما بين السمات التراجيدية والكوميدية والمسرح الشعبي والملحمي، وبالتالي فهي تتميز بثراء وتنوع علاماتها وتناسب طبيعة المنهج السيميائي الذي اخترته للدراسة، أكثر من غيرها. خصصت الدكتوراه للمسرح بينما رسالتك للماجستير كانت عن رواية «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ؟ - دراستي الأساسية كانت في كلية دار العلوم، وبالتالي كان توجهي النقدي أدبيًا صرفًا ومرتبطًا بتراثنا الشعري والنثري، ورغم إفادتي العميقة من أساتذتي العظام في دار العلوم لكنني آثرت هذه الانعطافة إلى استكمال دراستي في أكاديمية الفنون، وبالتالي فتحت لنفسي أبوابًا أكثر رحابة على المسرح والسينما والتشكيل والموسيقى، وعندما اخترت «اللص والكلاب» للماجستير، لم يكن اهتمامي منصبًا على رواية محفوظ وحدها، بل سعيت إلى رصد تحولات النص ما بين القصة الواقعية التي نشرتها الصحف ثم معالجة محفوظ الأدبية لها، ثم فيلم كمال الشيخ، ومسلسل المخرج أحمد خضر، وكان من المفترض أيضاً دراسة المعالجة المسرحية للنص والتي أخرجها حمدي غيث، لكن للأسف لم أعثر على أي نسخة فيديو للعرض، وربما بسبب اضطراري إلى استبعاد «المسرح» من رسالة الماجستير، تحمست لتركيز مشروع الدكتوراه على هذا الفن، لأن الدراسة والبحث العلمي عمومًا، هو محاولة لتنظيم عملية التعلم واستمرارها، ومشروعي - إن جاز لي استعمال مفردة كهذه - منشغل على الدوام بالفنون كافة والاشتباك النقدي معها. وكيف ترى مسرحة «الروايات» ؟ - لنتفق أولًا، أن كل نص قابل للمسرحة حتى لو كان مجرد «دليل التليفون»، وفي إحدى المرات شاهدت في الهناجر الفنان العراقي رشيد خيون يقدم مسرحة لقصيدة «غريب على الخليج» لبدر شاكر السياب، الأمر يتوقف على قدرة المخرج على تقديم التفسير أو التأويل الدرامي لهذا النص أو ذاك، وتطويعه لتقاليد المسرح، مع الأخذ في الاعتبار أن النص المسرحي بطبيعة الحال يكون أسهل عند معالجته، لأن كاتبه يعي مسبقًا بشروط وإرث المسرحة، بينما الروائي يكتب وفق تقاليد النوع الروائي ولا يضع في حسبانه إمكانية عرضه على خشبة المسرح. - توجه لماذا لم تعد لدينا أسماء كبيرة في الكتابة للمسرح؟ - أظن أن المبدع يتوجه لهذا النوع الأدبي أو ذاك، وفق استجابة ذاتية في الأساس، لكنه - من ناحية أخرى - لا يستطيع تجاوز الاستجابة لعصره، ليس هناك ما يمنع أي كاتب من الكتابة للمسرح، لكن معظم الكتاب - بمن فيهم الشعراء - يستجيبون أكثر لكتابة الرواية مع رواجها جماهيريًا والجوائز المغرية المخصصة لها، وباتت كتابة القصة القصيرة أو المسرحية، مغامرة، بلا مردود يذكر، ومع تراجع كتابة المسرح إلى الهامش، كان من الطبيعي أن تقل المنافسة في هذا المضمار، وتغيب الأسماء الكبيرة عنه، لننظر حولنا جيدًا معظم الأسماء الكبيرة في ساحة الإبداع هم كتّاب الرواية فقط، حتى لو كانت أسماء كبيرة بالدعاية لا بعبقرية المنجز. كيف ترى فوزك بجائزة الشارقة للإبداع العربي عن مسرحية «رقصة الديك» عام 2010؟ - كنت محظوظًا جدًا بالفوز بجائزة دبي للقصة القصيرة عن مجموعة «بيضة على الشاطئ» كما سبق لي الفوز بجائزة الصحافة العربية من دبي، بالنسبة لجائزة الشارقة للإبداع العربي عن «رقصة الديك» فإن لها مكانة كبيرة في نفسي لأنها كانت جائزة عن أول نص مسرحي أكتبه في حياتي وهذا شجعني وحفزني جدًا على كتابة نصوص أخرى، والنص في الأساس كان قصة قصيرة كتبتها في المرحلة الثانوية واحتفظت بها لسنوات طويلة، وكلما عدتُ إليه لكتابته كقصة قصيرة لا أشعر بالرضا، وفي نهاية المطاف وجدتني أكتبه في شكل «مونودراما». هل يمكن اعتبار الجوائز المرصودة للمسرح كافية لإقالته من عثرته؟ - المبادرات الخاصة بجوائز المسرح قليلة في العالم العربي، ومن أهمها ما تقدمه الهيئة العربية للمسرح في الشارقة للنصوص والعروض، وكذلك خصصت جائزة ساويرس في مصر فرعًا للنصوص المسرحية، لكن على أهمية وجود مثل هذه الجوائز التي يجب أن يشكر أصحابها على إطلاقها، لكنها لا تكفي وحدها لدفع الحراك المسرحي العربي إلى الأمام. وهل وجود الهيئة العربية للمسرح ساعد في تنشيط المجال المسرحي؟ بالتأكيد لا يمكن لمبدع عربي له علاقة بالمسرح، أن ينكر الدور العظيم الذي قدمته الهيئة العربية للمسرح عبر جوائز النصوص الخاصة بالطفل والكبار، وعبر العروض والمهرجانات التي تقيمها بالتناوب بين العواصم العربية، فالهيئة لا تكتفي بمهرجانات في الشارقة تدعو إليها المسرحيين بل تذهب إليهم في بلدانهم. هل نحن في حاجة إلى خطوة مثل مسرح التلفزيون في الستينات؟ - لا أعرف إذا كان استنساخ تجارب سابقة، يمكن أن ينجح مرة أخرى، أظن أن مسرح التلفزيون الذي أداره فنانون كبار مثل الراحل السيد بدير، والذي كان وراء نجاح كبار الممثلين أمثال فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي، والذي قدم عشرات المسرحيات العربية والعالمية آنذاك، هذا المسرح ارتبط آنذاك بالرغبة الرسمية في توفير «مواد» للتلفزيون الوليد، وكذلك الرغبة في التثقيف الجماهيري عبر روائع المسرح العالمي، لذلك حتى محطات الراديو شاركت آنذاك في تقديم مسرحيات إذاعية مترجمة شارك فيها كبار الممثلين آنذاك، الآن لم تعد الحكومات مشغولة بالمسرح أساسًا، لا في شقّه الترفيهي ولا التثقيفي، وباتت هناك وسائط كثيرة أقل تكلفة وأسهل في التداول، فحتى السينما التي سحبت البساط من تحت أقدام المسرح شيئًا فشيئًا، باتت فنًا مكلفًا، وظهرت شبكات تستفيد من التقدم التكنولوجي لتقديم الفيلم مباشرة للمستهلك عبر الهاتف النقال ودون الحاجة إلى شاشة عرض وقاعة وحجز تذكرة!، هذا لا يعني أنني ضد مسرح التلفزيون، بل فقط أدعو للتفكير في بدائل عملية لتطوير المسرح العربي تأخذ في حسبانها عصرنا الراهن بكل تعقيداته وتطوره التكنولوجي الهائل، يمكن بالطبع تعزيز ثقافة المسرح في المدارس والتعليم عن طريق الدراما، مثلما يمكن التوسع في مسرح الشارع وتقدم عروض بسيطة التكلفة للجمهور في الأسواق والمقاهي. ثلاثية التراجع التراجع الذي يشهده المسرح، تشهده الفنون عمومًا في العالم العربي لثلاثة أسباب: النزعة الاستهلاكية الجوفاء، وتعسف الرقابة، وصعود الجماعات الدينية المتشددة، فالإبداع يتطلب سقفًا عاليًا من الحرية، واستقلالية المبدع، مثلما يتطلب مناخًا يبدأ من العملية التعليمية، ونتيجة الأسباب الثلاثة التي أشرت إليها خصوصًا صعود الجماعات الدينية المتشددة باتت النظرة إلى الفنون سيئة جدًا، فهي محاربة في المجال العام، وجرى تكريس موقف مضاد لها في الوعي العام، وتقريبًا نجحت هذه الجماعات في إخراج الفنون من المعادلة التعليمية، في الوقت الذي نرى فيه البلدان المتقدمة تعطي الصدارة للفنون والإبداع في التعليم، لأنهم هناك يؤمنون بقيمة الابتكار والخيال، وأن الصناعات «الإبداعية» اليوم هي أساس الاقتصاد أكثر من ثروات الطبيعة التقليدية.

مشاركة :