كنت دون العشرين من عمري حين تعرفت سماعا على محدث أدبي كان يلقي أحاديثه من خلال إذاعة الكويت في السنوات الأولى من ستينيات القرن العشرين، وكان محدثا جيدا ومبدعا وشائقا. ولا أدري سر حبي لسماعه وأنا الذي لم تربطني بالأدب أدنى رابطة وليست لي به صلة وما لي إليه وسيلة، وربما كان ما يشدني إليه هو تعلقي بالإذاعة وطريقة الإلقاء ورغبتي بالعمل كمذيع. هذا المحدث الأدبي اسمه «محمد مصطفى حمام» مصري الجنسية وكان يقيم في الكويت آنذاك وتوفي فيها عام 1964، وفضلا عن أحاديثه الاذاعية كان يكتب في إحدى مجلات ذلك الزمن وأعتقد أنها مجلة أضواء الكويت. مع مرور السنوات زال من ذاكرتي كل ذكر أو ذكرى لمحمد مصطفى حمام فلقد طوته السنون كما طوت غيره من أسماء وكما طوت أحداثا وأخبارا. كنت أظن أنه رجل في الظل ومحدود العطاء وكل ما لديه هو تلك الأحاديث الاذاعية والتي لم يستقر في ذهني منها شيء حتى في وقتها، وربما كان ما يشدني إليه هو صوته وطريقة إلقائه. ومنذ بداية الستينيات وحتى قبل عشر سنوات 2008 عاد مصطفى حمام حاضرا قويا في ذاكرتي، فإذا به أحد أساطين عصره وأحد كبار المعلمين بل يكاد يكون أسطورة تمشي على قدمين. لقد عرفته من كتاب «صعاليك الزمن الجميل» للكاتب المصري الراحل «يوسف الشريف». كان شاعرا وخطيبا من صغره ويذكر «الشريف» أن سلطان مصر «حسين كامل» تولى الانفاق عليه وتعليمه لأنه انبهر به حين ألقى قصيدة ترحيبية به ولما سأله عن صاحب القصيدة قال أنا واكتشف السلطان أن الطفل «حمام» إلى جانب هذا يحفظ المعلقات وأشعار المتنبي وأبي العتاهية وآخرين. عاش حياته صعلوكا نبيلا ولا يدانيه أو يشبهه أحد، فهو أديب ومحدث وشاعر وصحافي وكاتب لا يشق له غبار، وكان غاية في الظرف وتدبير المواقف المحرجة وتوريط الآخرين بها. كان عباس محمود العقاد لا يبدأ ندوته إلا بعد أن يصل «حمام» ورغم هذا لم يسلم العقاد من اتهام حمام له كذبا ومن باب المداعبة بالسرقة الشعرية. سأذكر هذه الواقعة ووقائع أخرى في المقالة اللاحقة.
مشاركة :