تداعيات «عاصفة الحزم» تربك النظام الإيراني

  • 4/15/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يواجه النظام الإيراني ضغوطا متزايدة من الداخل قد تعرقل مساعيه لملء الفراغ الذي تعاني منه المنطقة العربية المضطربة. وأفادت مصادر المعارضة بوقوع تلاسن بين قادة طهران بالتزامن مع احتجاجات أمام البرلمان تتعلق بالأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد، إضافة لخلافات حول خطة لزيادة تصدير النفط، من أجل مواجهة «الأزمة المالية الطاحنة». ووفقا لمصادر إيرانية وعربية وأميركية، أدت تداعيات «عاصفة الحزم» التي يقوم بها تحالف إقليمي بقيادة المملكة العربية السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، إلى تململ داخل النظام الداعم للحوثيين، بعد أن فوجئت إيران بتصميم التحالف على بسط الأمن والاستقرار في اليمن. وقالت مصادر من المعارضة الإيرانية لـ«الشرق الأوسط» إنه جرى رصد «تلاسن» بين قادة عسكريين وقادة لميليشيات شبه عسكرية على خلفية توقيف عناصر من قوات الحرس الثوري الإيراني في عدة بلدان عربية على رأسها اليمن، وتعرض قادة آخرين للقتل في سوريا، إلى جانب إنفاق مليارات الدولارات على الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، التي تعمل لمؤازرة نظم الحكم في العراق وسوريا والمتمردين في اليمن. وشدد العقيد ويسلي مارتين، القائد العسكري الأميركي السابق بالعراق، في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» على أنه أصبح يوجد أمل في التغيير في إيران، مشيرا إلى أن جمهور الإيرانيين ينظر للنظام باعتباره «بؤرة التطرف» ولا يمثل الشعب، وقال إن «عاصفة الحزم» كانت «مباغتة» لحكام طهران وكانوا يتصورون أن مهمتهم في اليمن ستكون سهلة. مصادر المعارضة تحدثت عن تزايد متسارع في الأزمة الاقتصادية، وقالت إن إيران أنفقت على نظام بشار الأسد الخاضع للعقوبات الدولية أيضا، أكثر من خمسة مليارات دولار أميركي في شق واحد فقط يتعلق باستيراد منتجات بترولية، في الشهور الأخيرة، بينما يظل الدعم المالي للعمليات العسكرية في هذا البلد الذي يشهد ما يشبه الحرب الأهلية، غير معروفة، مشيرة إلى أن رغبة بعض القادة في طهران زيادة كمية الصادرات من النفط تعكس وجود مشكلة في تمويل آلة الحرب الخارجية بالمنطقة. إيران البالغ عدد سكانها نحو 75 مليون نسمة، تحاول منذ نحو عشر سنوات التغلب على العقوبات الاقتصادية الدولية التي أسهمت في تزايد البطالة والركود وتراجع معدلات النمو وارتفاع سعر الدولار، رغم الرفع الجزئي للعقوبات على بعض الأنشطة الاقتصادية خلال الأعوام الأخيرة. من جانبها أضافت مصادر المعارضة على هامش لقاء عقد الليلة قبل الماضية بين مجموعة منتقاة، عبر الإنترنت، أنه أصبح هناك اعتقاد يسود في الأوساط الشعبية الإيرانية عن أن انخراط بلادهم في حروب العراق وسوريا واليمن إضافة إلى الخلافات مع المجتمع الدولي، يزيد من الضائقة الاقتصادية التي تمر بها إيران، وأن «مجاميع من العمال والمعلمين تظاهرت في عدة مواقع في طهران وبلدات أخرى احتجاجا على تأخر صرف الرواتب طوال الشهور الأخيرة، منها مظاهرتان على الأقل أمام مبنى مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني». وكشف أحد قادة المعارضة عن معلومات تتعلق باستقبال المرشد الإيراني علي خامنئي لعدد من كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين في طهران ثلاث مرات على الأقل خلال الـ24 ساعة الماضية، وأنه بدا عليه «الشعور بخيبة الأمل والإحباط بسبب ما تحرزه عاصفة الحزم من تقدم»، مشيرا إلى أن هذه اللقاءات نتج عنها عدة تكليفات للقادة الإيرانيين، من بينهم وزير الخارجية، جواد ظريف، بتكثيف الاتصالات مع «أصدقاء إيران في الدول العربية والإسلامية»، وذلك في محاولة لمواجهة تداعيات «عاصفة الحزم». ويكثف معارضون إيرانيون من اتصالاتهم في الداخل والخارج، للتنسيق حول التحرك ضد نظام الحكم الذي يسيطر عليه رجال الدين وقادة الميليشيات التي تحارب خارج حدود الدولة الإيرانية، إلى جانب اتصالات مع رموز من التجمعات السنية التي تنتشر في شرق البلاد، للوقوف ضد ممارسات نظام طهران في العراق وسوريا واليمن، و«توعية الجماهير الإيرانية بأن الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد، تأتي نتيجة طبيعية لسياسات إيران وتمويل حروبها بالمنطقة». وتلقى أحد قادة المعارضة رسالة من تجمع عمالي إيراني كبير يحمل اسم «تحالف موظفي الفولاذ» سرد فيها المصاعب الاقتصادية التي تواجه ألوف العمال وأسفرت خلال أيام فقط عن فصل أكثر من 600 عامل. وجاء في الرسالة تفاصيل عن تأخر الرواتب وذكر فيها وفقا للمصادر: «هذه حالنا. من أين نطعم أطفالنا؟ وماذا نفعل؟». وتأخرت الرواتب أيضا، منذ ثلاثة أشهر، عن عشرات الألوف من العمال الصناعيين الآخرين، بينهم موظفون في الشركة الإيرانية المعروفة باسم «ماي وان». وقال أحد رموز المعارضة إن اتصالات بين شخصيات معروفة بخصومتها التاريخية مع نظام طهران أسفرت من حيث المبدأ على الموافقة على تنشيط فعاليات احتجاجية في الداخل رغم القبضة الحديدية للحكم، وعقد مؤتمر للمعارضة في الخارج، خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع «الحراك الجماهيري المتوقع أن يتصاعد في الداخل.. الغضب من تردي الأحوال الاقتصادية قابل للانفجار». وأضاف: لقد تمكن قائد عمالي من شركة «زنجان» الصناعية من رفع صوته عاليا أمام أحد أبواب مجلس الشورى، وأبلغ النواب رسالة عن تدهور أحوال معيشة العمال وأن «الوضع لم يعد يطاق». بينما كان باب آخر من أبواب مجلس الشورى يشهد مظاهرة احتجاجية لمجموعات من معلمي المدارس، بسبب تأخر الرواتب أيضا. ووفقا لأحد مصادر المعارضة، وأمام تكرار المظاهرات الاحتجاجية حول مبنى البرلمان، اضطر رئيس مجلس الشورى، علي لاريجاني، لعقد اجتماعات مع موظفي المجلس النيابي قبل يومين «في محاولة لتصوير الأمر وكأن إيران وثورة الخميني، تتعرض لمؤامرة خارجية.. هذا الخطاب هو عادة ما يقدمه قادة إيران للشعب في وقت الأزمات»، مشيرا إلى أن لاريجاني تحدث أيضا عن أن «الدول الكبرى تعمل على إثارة الفتن، وأن الشعب اليمني المظلوم يتعرض لمشاكل، ودعا الشعب للصبر». وأوضحت المصادر أن من بين الشخصيات التي ترددت على مقر المرشد خامنئي، بخلاف وزير الخارجية ظريف، أحد كبار المقربين من النظام، وهو رضا بوردستان، الذي يشغل موقع قائد القوات البرية في الجيش. وأضافت أن بوردستان تحدث مع خامنئي عن مجمل العمليات التي يقوم بها «الحرس الثوري الإيراني»، في العراق وسوريا واليمن، وتطرق إلى «تأثير الكلفة المالية لهذا النشاط على ميزانية الدولة والجيش والقوات البرية»، وقدم رؤيته لـ«التطورات المحتملة لعملية عاصفة الحزم، وما يمكن أن تقوم به إيران من خيارات في حال أصبح هناك تدخل بري عربي في اليمن». يأتي هذا في وقت كشفت فيه مصادر أميركية وعربية عن مشاكل عدة أصبحت تواجه إيران وهي تسعى بشكل محموم، ما بين العراق وسوريا واليمن، للهيمنة على المنطقة، على رأسها المشاكل الاقتصادية والعزلة الإقليمية والشكوك الدولية. وبحسب المصادر يتعرض النظام الإيراني لضغوط أخرى من جانب بعض الدول الغربية على خلفية «التدخلات السافرة»، و«ما تمثله من إثارة المزيد من الفوضى.. هذه تصرفات تثير القلق». وقال القائد الأميركي، العقيد مارتين، الذي عمل لسنوات في مهام عسكرية عدة بالعراق منها مكافحة الإرهاب، في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» إن إيران تحاول «ملء الفراغ في الشرق الأوسط، عقب تراجع الولايات المتحدة الأميركية عن دورها في المنطقة»، بينما أوضح الدكتور باراك بارفي، من مؤسسة أميركا الجديدة البحثية، لـ«الشرق الأوسط»، بعد أن زار اليمن عدة مرات إن «فتور همة الرئيس باراك أوباما تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط فتح الباب لزيادة تأثير طهران في العالم العربي، وهذا أمر يمثل خطرا على المستقبل». ولا يوجد في حديث المصادر الأميركية والعربية تفاؤل يذكر بقدرة طهران الاقتصادية في تحقيق نجاحات في سياسة الهيمنة التي تسعى وراءها. دربت إيران الحوثيين لكنها زادت من وتيرة هذا التدريب والمساعدات في الشهور الأخيرة مستغلة عملية التحول السلمي للسلطة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته. وكلفها هذا أموالا طائلة إلى جانب ما تنفقه على النظام السوري وفي حروب العراق الطائفية. ويعتمد الاقتصاد الإيراني على تصدير النفط والغاز إلى حد كبير، لكن أي تعديل بالزيادة في خطط التصدير ستتطلب عدة سنوات، كما يقول الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور محمود عبد الله، بينما هي في حاجة في الوقت الراهن لمزيد من الأموال للإنفاق على «أصدقائها». ومن جانبه قال الأميركي بارفي: «نعم.. ما لدينا من معلومات أن دعم طهران للحوثيين، بالأموال والتدريب والأسلحة، ارتفع بشكل كبير في الفترة الأخيرة». وأضاف العقيد مارتن، على الصعيد نفسه، أن الميليشيات الشيعية التابعة لقوات الحرس الثوري وقوة القدس في العراق تقوم بسفك الدماء وأن الوضع هناك «لن يتحسن ما لم تخرج قوات الحرس الثوري التابعة للنظام الإيراني بشكل عام، وقائدها قاسم سليماني على وجه التحديد، من العراق»، قائلا إن «سليماني هو قائد العمليات الإرهابية التي تجرى في كل من العراق وسوريا واليمن، وأن المواطنين هناك هم مَن يدفعون ثمن تداعيات هذه العمليات». وفي مصر التي تشارك في «عاصفة الحزم» ارتفعت وتيرة الانتقادات للنظام الإيراني، وأنشطته التوسعية في العالم العربي، مع احتمال «ظهور أمراض اقتصادية في إيران أكبر من تلك التي ظلت تعاني منها في السابق بسبب العقوبات الدولية»، وفقا للخبير الاقتصادي عبد الله، بينما قال الدكتور فتحي المراغي، الأستاذ في جامعة عين شمس، والمتخصص في الشؤون الإيرانية، إن طهران تعمل بكل الوسائل لتفتيت الوطن العربي، وإنها يمكن أن تفعل كل ما تتخيله لتحقيق هذا الغرض. لكن هل تستطيع؟ هذا أمر مشكوك فيه اقتصاديا على الأقل. فإيران تلعب لعبة خطرة، كما أوضح تقرير بعنوان «الاتجاهات الحاكمة لمستقبل النظام العربي في ظل إقليم مضطرب»، أعده المركز المصري للبحوث والدراسات الأمنية، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه. قال التقرير إن إيران يمكن أن تكون قادرة على مجابهة الضغوط الدولية التي وضعت نفسها فيها «بمقدار وقوف روسيا والصين إلى جانبها»، مشيرا إلى أن أهم المخاطر التي تمر بها المنطقة العربية «تزايد أدوار الفاعلين من غير الدول التي بدأت تسيطر على مناطق أو أجزاء واسعة من عدة بلدان مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، والسعي لتكوين إمارات إسلامية بما يؤدي إلى تزايد قوى عدم الاستقرار داخل النظام العربي». العميد عادل العمدة المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، أضاف أن إيران تصدر تهديدات للمنطقة العربية.. الكل أصبح يدرك هذا.. هذا له كلفة وثمن. لقد تسببت في تدمير الجيش العراقي والجيش السوري ثم توجهت لليمن، ضمن مخطط لتدمير الأمة العربية لصالح «الدولة الفارسية».. الكلفة كبيرة ليس على الصعيد السياسي فقط، ولكن، كذلك، على وضع الاقتصاد الإيراني. وأوضح الدكتور عبد الله، أن الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، إلى جانب تدخلها في الدول العربية، يجعل الإيرانيين يشعرون بالمهانة «فبعد سنوات من التقشف الاقتصادي، بسبب القعقعة حول برنامجها النووي، أصبحت تبحث عن انتصار بديل أمام الرأي العام الداخلي، ولهذا اتجهت لفتح حرب في اليمن، لكن لا أعتقد أن هذا سينطلي على الشعب الذي يعاني أصلا من جراء العقوبات الاقتصادية ونزيف الأموال في حروب بالوكالة». ونظم معارضون إيرانيون، الليلة قبل الماضية، مؤتمرا صحافيا للعقيد مارتن، عبر الإنترنت أيضا، وطرحت عليه «الشرق الأوسط» عدة أسئلة. وأعرب مارتن عن القلق من سياسات طهران، وأوضح قائلا إن الميليشيات الشيعية التي تتلقى توجيهاتها من قوة «فيلق القدس» و«فيلق بدر»، حولت الأوضاع في العراق لحرب أهلية. هل لديها القدرة في الاستمرار على فعل هذا. هل سيمكنها التغلب على المصاعب الاقتصادية وحل مشاكلها مع العالم بخصوص برنامجها النووي. بل هل توجد قدرة على تحقيق طموحها في استغلال التراجع الأميركي بالمنطقة للدخول كلاعب رئيسي بدلا منه والاستمرار في تمويل الميليشيات والمتمردين، بينما هي تعاني من ارتفاع نسبة التضخم إلى درجة تقترب من 50 في المائة. وعلى نفس طريقة الدكتور بارفي، عاب العقيد مارتن على سياسة أوباما وتراجعها في منطقة الشرق الأوسط، قائلا إنه ليست هناك سياسة للولايات المتحدة وأن النظام الإيراني هو الذي يحاول ملء الفراغ بالمنطقة في الوقت الحالي، مشيرا إلى أن واشنطن «لم تغلق عينيها عما تقوم به إيران في العراق فحسب، بل نفذت طلعات جوية في هجماتها دعما لقوات فيلق القدس (الإيراني) في العراق»، وقال إن النظام الإيراني «مصدر للإرهاب في العالم، ولا يمكن الوثوق به». وأضاف العقيد مارتن أنه يتفق مع تقييم الجنرال ديفيد بترايوس (القائد السابق للقوات الأميركية في العراق) بأنه، على المدى الطويل، تعد إيران الخطر الأكبر على العراق من تنظيم داعش، مشيرا إلى أن «الجنرال بترايوس فاز بالحرب في العراق.. أما أوباما فإنه خسر السلام في هذا البلد». وعلق مارتن على مساعي المعارضة الإيرانية للتحرك خلال الفترة المقبلة، بقوله إن جمهور الإيرانيين ينظرون إلى نظام الحكم الحالي في طهران باعتباره «بؤرة التطرف الإسلامي» وأنه «لا يمثل الشعب الإيراني»، مشددا على أنه «يوجد أمل في التغيير في إيران». وقال: «لا يمكننا أن نبقى صامتين في الوقت الذي نرى فيه قوى الشر (إيران وداعش) تقوم بتدمير الشرق الأوسط». ووجه انتقادات شديدة اللهجة لـ«عدوانية النظام الإيراني بالمنطقة»، ووصف عملية «عاصفة الحزم» بأنها «كانت مباغتة بالنسبة لحكام طهران الذين كانوا يتصورون أن مهمتهم في اليمن ستكون سهلة».

مشاركة :