هالة القحطانى : خطط “سمك لبن تمر هندي”

  • 7/30/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

التغييرات الإصلاحية التي تقوم بتنفيذها الوزارات وجميع قطاعات الأعمال في الدولة، لا ينبغي أن تكوّن عبئاً أو تضيقا على المواطن، وهو الذي اعتاد كسب عيشه بعمله وعطائه واجتهاده، ويستحق من أجل مواصلة ذلك معيشة أفضل وتحسينا لجميع مقومات حياته ليستمر عنصرا فاعلا وصالحا ومنتجا في المجتمع، بل من المفترض أن تضيق الإصلاحات الخناق على الموظف الفاسد الذي مكنته الواسطة من منصب لا يستحقه ولم يقدم له شيئا سوى غروره وجهله. فحين يعين أحدهم من قبل مسؤول في منشأة تتطلب الدقة وتحفهُ المسؤوليات من كل جانب ولا يدرك خطورة أو عمق دوره، فهذه جريمة ينبغي أن يحاسب عليها، لأنه بذلك سيمرر جهله على زملائه والمستفيدين ومنظومة العمل بأكملها، فالغرور الذي يكتسبه “المُعيّن بالواسطة” على منصب هام أو محوري يوهمه بأنه قيادي فذ وذكي ويعرف كيف يدير الأمور، لدرجة تسوّل له نقل بنات جهله وتوثيقها كإجراءات عمل، وجعل منشأة بأكملها تتبعها كأفضل ممارسة للعمل وهي ليست كذلك، ثم نتساءل بعدها ما الذي أخّر القطاع الفلاني من التقدم قيد أنملة في ملفاته العالقة منذ سنوات. وفي الآونة الأخيرة أصبح أكبر هم لبعض القطاعات أن يظهروا للدولة بأنهم يقدمون تغييرات إصلاحية ضخمة، من دون بذل أي مجهود لقياس نتائج وقع مبادراتهم على المواطن، فتراهم يهدرون مثلاً مبالغ كبيرة من الموازنة، على دعايات لمناسبات توقيع مذكرة يُصدِّرون لها مشهوري وسائل التواصل الاجتماعي للترويج عنها بجهل، أو ينشرون مطبوعات دعائية تقارب في ضخامتها حجم برج الفيصلية كي لا تترك مجال لمن نظرهم ضعيف من عدم رؤيتها! مع أن اكثر ما أصبح يميزه المواطن هذه الدعايات التضليلية التي تحاول ملياً من تشتيت انتباهه، بتسليط الضوء على الإنجازات البسيطة جدا والتي من المخجل أن يحدثوا كل تلك الجلبة من أجلها. وحين تتابع الأخبار اليومية التي تنشرها وزارة التعليم مثلاً، لن تجد من بينها حل للمشاكل الهامة العالقة ومنذ سنوات وتؤرق حياة الكثير من العاطلات ومن بحاجة ماسة للعمل، مثل (ملف الخريجات التربويات القديمات)، وهم في نفس الوقت يتاجرون بالسبق لتمكين المرأة على المناصب القيادية، ثم تفاجئ بتعميم غريب تمخضت عنه الوزارة بضرورة تنظيم المعلم/المعلمة للحركة المرورية، وبعد صدوره بـ24 ساعة يتم التراجع عنه. لتشعر بأن القرارات تصدر سريعاً ولا تدرس جيدا قبل إصدارها ولا يتم ربطها بأهداف معينة، بل ينزلق الأمر في تخبيص أشبه بـ”سمك لبن تمر هندي”. وحين تبحث في أخبار وزارة العمل لعل وعسى تسمع بأن الوزير أوفى بالوعد الذي قطعه على نفسه للخمسة آلاف موظف المفصولين تعسفياً من مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، أو تغيير لبند 77 لتوفير الأمان الوظيفي وإيقاف أحد مصادر البطالة، أو العمل جدياً على توطين وظائف الموارد البشرية وعدم إسنادها لغير السعوديين وعدم إبقاء أي خريج من برنامج الابتعاث من دون وظيفة تناسب تخصصه، ستجد بأن وزارة العمل ما زالت تتحرك ببطء شديد جدا مقارنة بنشاطها المفرط على وسائل التواصل بنشر أخبار ومشاركات الوزير ونوابه خارج المملكة، أو تشتيت الانتباه بالتهليل لتعيين بعض النساء على مناصب قيادية من دون أن تسمع لهن إنجازا غيّر حياة الناس أو منظومة العمل للأفضل، بل عليك أن تتحمل غضبك حين تسمع من يطالب الخريجين الذين أتو بثقافة عمل مختلفة وطموحات يتمنون تحقيقها في بلدهم، بالعمل في مهن السوق بشهاداتهم الجامعية. تعتقد وزارة العمل أن إقرار بند 77 ليس من ضمن أخطائها الجسيمة من دون أن تعي بأن الأخطاء حين تحدث عادة تحدث صغيرة ثم تكبر تدريجيا، وخطأ إقرار فصل الناس “وقع” كبيراً واستمرت تباعاته في التفاقم والتعقيد، فحين يُفصل الموظف عن المصدر الوحيد للدخل لا تتراكم عليه الديون أو توقف خدماته فقط، بل تتكالب عليه جميع الأنظمة الحكومية المرتبطة ببعضها البعض وتتناوب في عقابها الجماعي ضده من دون رحمة أو تمييز بأنه كان ضحية نظام العمل وليس مجرم، من دون أن يطال جزء من العقاب والضرر الواقع عليه جهة العمل التي فصلته بقدر الألم الذي تعرض له، أو الوزارة التي كانت السبب الرئيس وراء قرار فصله من الأساس. ومن يواجه من المتضررين اليوم أحكام بإيقاف الخدمات والسجن تجد النصف الآخر عالق في دوامة لا تنتهي من الإجراءات غير المدروسة لمكاتب العمل، منذ زمن الوزيرين السابقين، أو يبدون اهتمامهم بإدخال المفصولين في دهاليز الأمل وإيهامهم بمساعدتهم عن طريق مراكز “طاقات” المحسوبة على العاطلين كصندوق لتنمية الموارد البشرية، والذي عجز من يديره والقائمين عليه على التفرقة بين من لديه خبرة ومهارات ومن لا يملك خبرة بتاتاً، فأي حالة تصلهم توضع في برنامج رفع المهارات ليلحق صاحبها (برحلة البحث عن عمل)، ويرغم على حضور دورات للمبتدئين حتى لو كانت خبرته أكثر من 10 سنوات، ليهدروا مزيداً من وقته، ثم يعرضون عليه وظائف أقل من خبرته وتخصصه. لا يضع كثير من المسؤولين بعين الاعتبار أن خطط “سمك لبن تمر هندي”، ستنكشف وتنهار في أي لحظة يختبرها المواطن بنفسه، والذي يعد أهم مؤشر لمعايير القياس الذي لا يستطيع أي قطاع أن يتحكم أو يتلاعب به. هالى القحطانى الحياة

مشاركة :