ينتظر الشاب محمّد حسن عند معبر باب الهوى الحدودي في شمال غرب سوريا، في طابور طويل وملامح الارتباك تظهر على وجهه، بعدما رحّلته تركيا بشكل مفاجئ ليجد نفسه في منطقة تمزقها الحرب بعد سنوات على فراره من بلده. وعلى غرار العشرات من السوريين، عاد هذا الشاب مرغما إلى بلده، بعد توقيفه في إسطنبول، في إطار حملة أطلقتها السلطات التركية مؤخرا ضد المهاجرين غير الشرعيين في المدينة، ومن بينهم السوريون. ويقول محمد المنحدر من مدينة حلب (شمال)، ثانية أهم المدن السورية، “هذه أول مرة أعود فيها إلى سوريا منذ أن غادرتها، بعدما رحّلتني السلطات التركية”. ويضيف “منذ سبع سنوات وأنا خارج سوريا ولا أعلم شيئا عنها، الآن عليّ أن أبدأ حياتي من جديد فيها”. وأوقفت قوات الأمن التركية محمد نحو عشرة أيام لعدم حيازته بطاقة حماية مؤقتة من مدينة إسطنبول، قبل أن ترحّله إلى محافظة إدلب، الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، وتتعرض منذ أشهر لتصعيد من قوات النظام وروسيا. ويوضح الشاب بحسرة “أهلي في حلب، ولا أستطيع أن أذهب إليهم”، بعدما باتت المدينة بأكملها منذ نهاية عام 2016 تحت سيطرة قوات النظام. ويضيف “سأبقى عند أقربائي، ولن أعود إلى تركيا بعد الظلم الذي رأيته”. ويخشى اللاجئون السوريون العودة إلى مناطق باتت تحت سيطرة قوات النظام، خوفا من سوقهم إلى الخدمة العسكرية الإلزامية أو تعرضهم لاعتقالات عشوائية تنفذها خصوصا في المعاقل السابقة للفصائل المعارضة. ومن بين ملايين اللاجئين إلى الخارج يقطن نحو 3.5 مليون في تركيا وحدها، وفق تقديرات الأمم المتحدة. وأوقفت السلطات التركية خلال أسبوعين في إسطنبول ستة آلاف شخص بينهم سوريون، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية. تركيا رحلت 4400 سوري على الأقل خلال نحو ثلاثة أسابيع من الشهر الحالي مقابل 4300 في يونيو وتقول منظمات غير حكومية سورية إنه جرى توقيف أكثر من 600 سوري، أغلبهم يحملون بطاقات حماية مؤقتة صادرة عن محافظات أخرى. وبدلاً من نقلهم إلى المحافظات المعنية، رحّلتهم السلطات التركية إلى سوريا. وأعربت منظمات عن قلقها إزاء معلومات عن إجبار اللاجئين على توقيع وثائق موافقة على العودة باللغة التركية. ويؤكد محمد أنه حاول مرارا الحصول على بطاقة حماية مؤقتة في إسطنبول لكنه لم يتمكن من ذلك مع توقف السلطات عن منحها. ويشرح أنه بعد توقيفه طُلب منه أن يبصم على وثيقة قيل له إن الهدف منها منحه إقامة في إسطنبول لكنهم “كذبوا علينا (…) ففي صباح اليوم التالي وضعونا في حافلات وأرسلونا إلى سوريا”. واعتبرت هيومن رايتس ووتش أن تركيا “تدعي مساعدة السوريين على العودة الطوعية إلى بلادهم، إلا أن تهديدهم بالسجن حتى يوافقوا، وإجبارهم على التوقيع على وثائق، ورميهم في منطقة حرب، ليس أمرا طوعيا أو قانونيا”. ويقول مدير العلاقات العامة والإعلام في معبر باب الهوى مازن علوش إن “السلطات التركية ترحّل بشكل يومي السوريين المخالفين”، وغالبيتهم ممن دخلوا تركيا بطرق غير شرعية. ويشير إلى ترحيل تركيا 4400 شخص على الأقل خلال نحو ثلاثة أسابيع من الشهر الحالي مقابل 4300 في يونيو. وأثارت هذه الإجراءات انتقادات واسعة في صفوف اللاجئين السوريين في تركيا، التي تقدم دعما للفصائل المعارضة. وتتخذ أبرز مكونات المعارضة السورية من إسطنبول مقرا لها. على الجهة السورية من معبر باب الهوى، يسجّل أحد الموظفين على كمبيوتر المعلومات الشخصية الخاصة بلؤي محمد (23 عاما)، الذي وجد نفسه مجبرا على العودة إلى سوريا بعد أربع سنوات من الفرار منها. ويروي لؤي كيف اقتادته الشرطة من مستشفى اصطحب إليه صديقه المصاب بجروح جراء شجاره مع شبان أتراك في مدينة أنطاليا. ويقول الشاب الذي كان يعمل في مطعم “نقلوني إلى المخفر، وقالوا إنني سأكون شاهدا على الحادثة”، إلا أنه بعد ساعات وجد نفسه في سجن يضم نحو 350 شخصا من جنسيات مختلفة، من بينهم أفغان وسوريون. ويشرح “عند منتصف الليل رحّلونا، ووصلنا صباحا إلى باب الهوى”. لا يعلم لؤي، المنحدر من مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة مجلس محلي منضو في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، ماذا يخبئ له المستقبل. ويقول “سأذهب إلى منبج، وأبحث عن عمل فيها”. ويضيف الشاب الذي ترك شقيقيه في تركيا “عائلتي ليست هنا، أنا غائب عن سوريا منذ أربع سنوات، ولا أعلم كيف سأبدأ حياتي فيها من جديد”.
مشاركة :