ينصبّ تركيز عمالقة صناعة السيارات على تبسيط كل شيء في سيارات المستقبل من خلال تطوير قمرات القيادة ليكون تواصل السائقين معها بصريا أمرا بديهيا، نظرا لاستغناء هذه المركبات عن معظم الأزرار التي لم تعد ذات فائدة. وتعد مراقبة عدادات لوحة القيادة من الأمور الهامة لمعرفة بيانات القيادة، لكن هذه المراقبة قد تتسبب في تشتت انتباه قائد السيارة عن متابعة الطريق، ما يرفع خطر وقوع حادث. ودفع هذا الأمر الشركات إلى الاعتماد على شاشات هيد أب، التي تقوم بعرض بيانات القيادة الهامة على الزجاج الأمامي، ومن ثم تمنع الانشغال عن مراقبة حركة المرور. ويقول هولغر إيبن من مجلة السيارات أوتو تسايتونغ الألمانية إن المناوبة بين النظر إلى العدادات والطريق قد تستغرق حوالي نصف ثانية، وهو زمن كبير جدا خاصة عند القيادة على سرعات عالية. وأوضح أنه عند قيادة السيارة على سرعة 120 كلم/س فإن غياب الرؤية لمدة نصف ثانية يعني قيادة عمياء لمسافة تقدر بنحو 17 مترا، ما يرفع خطر وقوع حادث. استعمال بديهي تهدف أنظمة المساعدة الحديثة في عالم السيارات في المقام الأول إلى إضفاء المزيد من الراحة وتوفير أكبر قدر من عوامل السلامة والأمان على الطريق. وتقدم شاشات هيد أب حلا لمشكلة غياب الرؤية بالنسبة للسائقين، حيث يتم عرض بيانات القيادة الهامة مثل السرعة وبيانات نظام الملاحة على الزجاج الأمامي للسيارة.وتتوافر هذه الشاشات المميزة في بعض الموديلات الجديدة ضمن باقة تجهيزاتها القياسية. وللتوسع في استخدام هذه التقنية أصبحت هناك شركات كثيرة تقوم بتزويد السيارة بهذه الشاشات بشكل لاحق. وأتاحت هذه الخطوة إمكانية تجهيز الموديلات القديمة أيضاً بهذه التقنية الحديثة، غير أن الأمر لا يخلو من عيوب مقارنة بالأنظمة، التي تأتي بها السيارة بشكل قياسي، مثل قلة البيانات التي تقدمها. وأوضح إيبن أن هذه الأنظمة تقدم المعلومات الهامة في مجال الرؤية الخاص بقائد السيارة، الأمر الذي يحد من تعرضه للإرهاق بسبب التبديل بين النظر للمجال القريب والبعيد. ولهذا السبب لم تعد شاشات هيد أب حكرا على سيارات الفئة العليا، بل أصبحت ضمن تجهيزات سيارات الفئة المدمجة والمتوسطة. وعلى سبيل المثال تقدم مازدا شاشة هيد أب منذ عام 2013 كحل “صغير” مع شاشة عرض قابلة للطي في الفئة المدمجة. وأوضحت الشركة اليابانية أن الهدف من شاشة هيد أب يتمثل في الاستعمال البديهي والمبسط مع أقل عدد ممكن من المصادر البصرية المختلفة، حيث إنها تلعب دورا محوريا في عرض جميع المعلومات المتعلقة بالقيادة مباشرة في مجال الرؤية الطبيعي لقائد السيارة. وتعتبر شركة غارمن من أولى الشركات، التي تقدم شاشات هيد أب المتنقلة للسيارات. وأوضحت الشركة أن هذه الشاشة التي تأتي بحجم هاتف جوال ضخم، يمكن أن تعكس على الزجاج الأمامي بيانات السرعة وحد السرعة والبيانات الملاحية المعنية.وكي يتمكن قائد السيارة من قراءة هذه البيانات لابد من تزويد الزجاج برقاقة شفافة أو الاستعاضة عن ذلك بموضع التثبيت القابل للطي والموجود بالجهاز نفسه، والمخصص لتركيب هاتف ذكي به. ويقوم الهاتف الذكي عبر تقنية البلوتوث بتزويد شاشة غارمن بالمعلومات والبيانات، التي يتم عرضها على الشاشة عن طريق تطبيق غارمن أتش.يو.دي. ويؤكد إيبن أن انتشار شاشة هيد أب في الآونة الأخيرة يرجع إلى تصميمها المدمج، مشيرا إلى أن هناك موديلات منخفضة التكلفة للسيارات الصغيرة والمدمجة. وقال “هنا لا يتم عرض البيانات على الزجاج الأمامي للسيارة، وإنما على لوح صغير من الزجاج البلكسي قابل للطي بقمرة القيادة”. ويزداد سعر شاشة هيد أب عندما يتم عرض البيانات على الزجاج الأمامي، والذي يتطلب أيضا نوعا خاصا من الزجاج، تفاديا للعرض المشوش على أنواع الزجاج الأخرى. وأشار المجلس الألماني للسلامة المرورية إلى أن عرض شاشة هيد أب يجب ألا يشتمل على أكثر من البيانات الهامة والأساسية، حتى لا يتشتت انتباه قائد السيارة، حيث يجب أن يقتصر العرض على البيانات الهامة مثل السرعة وتحذيرات المخاطر وإرشادات تغيير التعشيقة. ويمكن أيضا التجهيز اللاحق بشاشات هيد أب، حيث تتنوع هذه الحلول بدءا من تطبيقات على الهاتف الذكي وصولا إلى أجهزة عرض يتم تثبيتها بقمرة القيادة. ويرى الكثير من المطورين في شركات السيارات أن هذه التقنية قد تفقد أكبر المميزات، التي تقدمها لقائد السيارة، إذا لم تتوافر إمكانية تركيب الجهاز إلا فوق منتصف لوحة أجهزة القياس والبيان، لعدم استواء الحامل أمام المقود، وهو ما سيجعل السائق في هذه الحالة يصرف نظره عن الطريق. ولذلك ينبغي على المهتمين بالتزود بهذه التقنية التأكد بشكل أساسي من إمكانية ضبط الشاشة من حيث الارتفاع بحيث يتناسب مجال الرؤية مع قائد السيارة طويل القامة. وقد تظهر مع الحلول المركبة بشكل ثابت مشكلة تقلص حجم الصور المنعكسة على السطح، الذي من المفترض أن يساعد السائق. الواقع المعزز يعكف المطورون حاليا على ابتكار الجيل القادم من شاشات هيد أب، والذي يسمح بدمج العالمين الافتراضي والحقيقي على الزجاج الأمامي بفضل تقنية الواقع المعزز. وتقوم هذه التكنولوجيا على إسقاط المعلومات والبيانات والأجسام الافتراضية على بيئة المستخدم الحقيقية من خلال الهواتف الذكية على سبيل المثال. وتتمتع السيارات، التي تعتمد على تقنيات الواقع المعزز بالقدرة على تحسين السلامة من خلال السماح للسائق بإبقاء أعينه على الطريق أثناء قراءته للملاحظات بدلا من النظر باستمرار لشاشة الهاتف، بالإضافة إلى زيادة راحة السائق. وأشار إيبن إلى أن الأنظمة المستقبلية تقوم أيضا بتعيين معلومات القيادة بأبعاد ثلاثية؛ حيث لن يتم عرض رسالة التحذير في مجال رؤية قائد السيارة فحسب، وإنما بالضبط عند نقطة الخطر على الطريق. وبهذا يمكن استقبال المحتوى بسهولة وبشكل أسرع. وقد أثّر الواقع المعزز أيضا على أنظمة الملاحة، حيث طورت شركة كونتيننتال نظاما يشير فيه خط السهم الموضوع على الطريق إلى المسار، الذي يتعين على قائد السيارة الانعطاف إليه. وأوضحت الشركة الألمانية الرائدة في مجال الصناعات المغذّية للسيارات أن الشاشة أي.آر-أتش.يو.دي تمتاز بنظام عرض كامل الألوان، إذ إنها تعتمد على ثلاثة أنظمة لتوجيه الموجات، وذلك لتوليد نطاق ألوان الأحمر والأخضر والأزرق دون مرايا.ويتيح نظام العرض المزود بميزة التعزيز البصري، تكبير الصور حتى مسافة انعكاس تصل إلى 10 أمتار، ما يجعلها تقدم دعما بديهيا للسائقين، حيث سيعرفون مباشرة المكان الذي يتطلّب انتباههم والسبب وراء هذا، وذلك عندما يتعلّق الأمر بالرؤية الفعلية. وتعمل شركة واي ري الناشئة التي تستثمر فيها مجموعة علي بابا الصينية، أحد أبرز عمالقة التجارة الإلكترونية في العالم على تطوير تقنيات عرض بيانات الواقع المعزز مباشرة على الزجاج الأمامي للسيارة مما يوفر توجيهات التنقل ومعلومات عن اتجاه الطريق وتحديد حارة المرور وكشف المخاطر. كما شكلت كبرى الشركات الألمانية مثل أودي ومرسيدس بنز وتيسلا الأميركية وتويوتا اليابانية وفولفو السويدية تحالفا من خلال استخدام منصة شركة إنفيديا درايف بلاتفورم التي تعتمد على تقنيات التعليم الآلي، بما فيها الواقع المعزز. واختارت الشركات هذه التقنية نظرا لكونها الأكثر نضجا والأقل احتياجا إلى البنية التحتية، التي تعمل من خلالها والأكثر معايشة من قبل نطاق واسع من الجمهور، وهي تقنية مكتملة يمكن أن تضع المشتري في بيئة مكتملة. أسطح ذكية هناك اتجاه متزايد في هذه الفترة يتعلق بجعل كل التجهيزات في قمرة السيارة تتمتع بالذكاء الاصطناعي وتوظيف كل ذلك من أجل إراحة السائقين. ويقول أندرياس فلاساك مدير قسم التصميم الصناعي في شركة فورسيا المغذية لصناعة السيارات، إن أجزاء الأسطح في قمرة القيادة في الجيل المقبل من السيارات ستصبح تفاعلية، في ما يعرف بالأسطح الذكية. ويرى أنه عندما تكون هذه الأسطح قابلة للاستعمال وليست مجرد ديكورات فإنها ستتفاعل مع المستخدم بشكل ملموس أو محسوس. وأشار فلاساك إلى أنه سيتعين على هذه الأسطح أيضا أن تعرض بوضوح الوظيفة التي تقوم بها ووقت استخدامها، وسيعمل هذا كله على تضاؤل أسطح الديكور تدريجيا.وعن طريق هذه الأسطح الذكية ستتم مواءمة عدد الوظائف المرئية حسب الركاب وموقفهم الحالي، ويعتقد فلاساك أن الأمر يتعلق بتوفير خيارات عرض واستعمال مرنة وبديهية، حتى لا تزدحم قمرة القيادة، مع إظهار أهم المعلومات، مثلا سيتم إخفاء عنصر التحكم في مكيف الهواء وإظهاره فقط عند اقتراب اليد منه. ومع استعمال الأسطح الذكية سيكون الصوت والضوء من الأمور المهمة، حيث يتمثل الهدف في إذابة الحدود ودمج الوظائف، ويعمل ذلك من جانب على مفاجأة العميل بالوظائف الجديدة، ومن جانب آخر على دمج المزيد من الوظائف في السيارة بأناقة. وتعكف كونتيننتال هي الأخرى على تطوير كل ما له علاقة بمجال قمرة قيادة المستقبل، وهذا السباق يشعل المنافسة بين المصنعين. ويؤكد أندرياس برونينغهاوس الخبير في مجال التقنيات اللمسية والتصاميم الداخلية بالشركة الألمانية، أن الاعتماد على الضوء في الأسطح الداخلية سيزداد في المستقبل. وستتم إتاحة استخدام الأسطح الشفافة كمصدر للمعلومات في مناطق أخرى من قمرة القيادة، بالإضافة إلى مناطق العرض الكلاسيكية. وترجح مارتينا شتاركه، مديرة قسم المستقبل والسوق بشركة بي.أم.دبليو الألمانية، أن تشهد قمرة السيارات تغيرا مع التحول لنظام القيادة الآلي، إذ لن تعود القيادة هي بؤرة الاهتمام، كما أن المستقبل سيحمل اهتماما بعملية الرقمنة إلى جانب سهولة الاستخدام. وتؤكد أنه من أجل الشعور بالراحة سيتم الاعتماد أكثر على المعايشة البصرية واللمسية، كما سيكون هناك تفرد أقوى في الضوء والصوت.
مشاركة :