ترتب على انتخاب بوريس جونسون زعيمًا لحزب المحافظين، يوم 23 يوليو 2019 توليه منصب رئيس الوزراء في 24 يوليو 2019 خلفًا لتيريزا ماي ويُلقَّب بـ«ترامب بريطانيا»؛ نظرًا إلى تصريحاته وتوجهاته المشابهة للرئيس الأمريكي، المناهضة للمهاجرين والمعادية للمسلمين. وُلد جونسون في 19 يونيو 1964 في الولايات المتحدة، ما منحه الجنسية البريطانية والأمريكية معًا، وهو ينحدر من أصول تركية مسلمة، حيث إن جده الأكبر علي كمال بك تركي مسلم، تخرّج جونسون في جامعة أكسفورد، وبدأ حياته المهنية في الصحافة، وانتُخب عضوًا في البرلمان في عام 2001 حتى عام 2008. واستُبعد من رئاسة حزب المحافظين في عام 2004؛ بسبب مشكلة أخلاقية، ثم انتُخب رئيسا لبلدية لندن في عام 2008. وهو المنصب الذي لم يستطع أن يحقق فيه نجاحات تُذكر، ثم أصبح بعد ذلك من أهم مهندسي ومؤيدي فوز تيار البريكست في استفتاء 2016. ويعد ذلك أحد أهم عوامل زيادة شعبيته، وتولى منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية في 2016 حتى 2018. ثم رئيسًا للوزراء في يوليو 2019. ومع توليه منصب رئيس الوزراء، كثرت الانتقادات المثارة حوله، التي لا تبشر بحدوث أي تطور يختلف عما فعلته تيريزا ماي، وخاصة فيما يتعلق بأزمة البريكست، التي وعد بحلها مع نهاية شهر أكتوبر 2019؛ فسجل جونسون لم يُكن حافلا بالنجاحات، وظهر ذلك في أدائه حينما كان وزيرا للخارجية، حيث لم تكن لديه القدرة على التعامل مع الآخرين، وافتقر إلى المهارات المهنية، فيما يتعلق بممارسة الدبلوماسية الدولية بشكل عام، ما أكسبه سمعة على الصعيدين الداخلي والدولي بعدم الكفاءة. كما كان يأبى في كثير من الأحيان تناول موضوعات اعتبرها لا تستثيره أو تفتقد إلى أهميتها للمصالح البريطانية، وهي على النقيض من ذلك؛ مثل تعزيز العلاقات مع حلفاء بريطانيا الأوروبيين وسط اضطرابات بشأن خروجها من الاتحاد الأوروبي. وغالبًا ما آلت تلك الصفات إلى نتائج عكسية على بريطانيا، بدليل ما حدث مع الصحفية الإيرانية البريطانية نازانين زاغاري-راتكليف، التي تعمل في وكالة رويترز، جراء إدانته لها بإدارة دورة صحافة عبر الإنترنت لخدمة بي بي سي الفارسية تهدف إلى تجنيد الناس وتدريبهم لنشر الدعاية ضدّ إيران، وعلى أثر ذلك أيدت الحكومة الإيرانية عقوبة ضدها بالسجن خمس سنوات، متخذة ما قاله جونسون دليلا على تورطها في حملات دعائية ضد النظام الإيراني. كما أظهر جونسون عدم كفاءته في حادثة أخرى، حين أساء إلى المسلمين البريطانيين والمجتمع الإسلامي، من خلال إدلائه بتعليقات لصحيفة التليجراف البريطانية، شبّه فيها النساء اللائي يرتدين النقاب بصناديق البريد، ويبدو جليًّا افتقار جونسون إلى فن إدارة العلاقات الذي يُعد ضروريًّا للنجاح في تأمين مصالح بريطانيا وحلفائها، وسط تعقيدات الوضع الدبلوماسي في الشرق الأوسط المعاصر، وبناءً على ذلك، من المرجح أنه سيقود بريطانيا إلى عُزلة سياسية في المنطقة خلال فترة ترؤسه الوزارة، التي يُتوقع أن تكون مدتها قصيرة، كما أن هناك دلائل تشير إلى أنه لن يحاول القيام بأي استفزازات أو أعمال تحريضية تخلق توترًا من أي نوع، ويرجع ذلك إلى أن وجهات نظر جونسون الأيديولوجية والسياسية حيال القضايا الإقليمية الرئيسية يغلب عليها الاعتدال. وتعد قضية البريكست أحد أهم القضايا التي تنتظر أن يُظهِر فيها جونسون إنجازا، حيث فشلت تيريزا ماي على مدار ثلاث سنوات، منذ إعلان نتيجة الاستفتاء، في الوصول إلى حل لإنهائها، ويعتبر جونسون من أهم مهندسيها؛ إذ قاد حملة كبيرة في استفتاء 2016 ضد الاتحاد الأوروبي، مدّعيا فيها أن بريطانيا تدفع كل أسبوع 350 مليون جنيه إسترليني للاتحاد، لكن بحسب بيانات المفوضية الأوروبية، فإن مقدار ما دفعته بريطانيا في الفترة بين عامي 2010 و2014 تقدر بحوالي 135 مليون جنيه إسترليني، وهو ما عرضه للمساءلة القانونية آنذاك، ويبدو من خلال تصريحاته أنه لا نية له في العودة إلى الاتحاد الأوروبي، وأن غايته هي الخروج، سواء باتفاق أو من دون بحد أقصى نهاية شهر أكتوبر 2019. وقد أكد ذلك خلال حملته الانتخابية، وصرح بأنه في حالة الخروج من دون اتفاق لن تدفع بريطانيا فاتورة الخروج، وقدرها 39 مليار جنيه إســترليني أي 49 مليار يورو، وســينفق الأموال بدلا من ذلك علــى التحضيرات للخروج من دون اتفاق. إن الأزمة لا تتمثل في كون بريطانيا لن تكون عضوًا في الاتحاد، ومفتقدة لمزاياه التي تعتبرها عقبات بالنسبة إليها، بل إن الأمر سوف ينعكس على علاقاتها بدول الاتحاد، حيث لا تبشر العلاقة معها بمستقبل إيجابي، خاصة في ظل التحيز الواضح ضد جونسون وتصريحاته، فالأزمة مستمرة، وحتى الآن ليست هناك بوادر بإمكانية حلها. وعلى جانب آخر يرى محللون أنه سيكون على وفاق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نظرًا إلى التفاهم السياسي بينهما، على عكس تيريزا ماي، التي كانت كثيرًا ما تصطدم معه، فقد سارع ترامب بتهنئة جونسون، وكتب على تويتر: «تهانينا لبوريس جونسون لكونه سيصبح رئيس الوزراء الجديد للمملكة المتحدة.. سيكون عظيما»، إذن فالعلاقات مع الولايات المتحدة لا يشوبها القلق أو التوتر، وذلك على عكس العلاقات مع إيران، خاصة بعد أزمة ناقلة نفط «جريس 1»، حيث ردت بريطانيا بإعلان قرب تشكيل قوة للحماية في الخليج مع شركاء أوروبيين، وقد تخلق هذه الحادثة مفارقة فيما يتعلق بخطة جونسون لنزع فتيل الأزمة الخليجية الحالية بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، ما قد يخلق تشككا في عملية التنبؤ بكيفية تعامل جونسون مع إيران، وخاصة كون موقفه كان يتميز بالاعتدال حينما كان يترأس وزارة الخارجية؛ إذ كان موقفه ثابتًا بشكل غير معتاد في دعمه لتبني رؤية تصالحية تجاه إيران، ومن ثم فمن المُحتمل أن يحاول تخفيف حدة التصعيد الأخير بين بريطانيا وإيران في الخليج. أما القضية السياسية الأخرى التي ستواجهه فهي دور بريطانيا في الحرب الأهلية السورية، حيث يرى محللون أن هناك تقاربا بين جونسون وترامب، في حين أنه سيطغى تأثير الأخير، من خلال طلب زيادة أعداد القوات البريطانية في سوريا، خاصة في ظل اتخاذ الولايات المتحدة قرارًا بانسحاب قواتها في ديسمبر 2019. ومع ذلك فإن هناك تكهنات بأن السياسة البريطانية ستستمر على وتيرتها كما هي، في ضوء النهج الذي قد يتبعه بوريس جونسون إزاء العديد من علاقات التحالف البريطانية في الشرق الأوسط، وهذا ينطبق بشكل خاص على دول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ يرى أن صداقة بريطانيا مع دول الخليج أصبحت أكثر أهمية في ظل ظروف العالم المضطربة، ومن ثم فإن المتوقع أن يتم اتخاذ خطوات لتعزيز هذه العلاقة. وعلى الرغم من كونه صديقًا وحليفًا لدول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن جونسون ليس صديقًا لدول عربية أخرى، حيث وصف نفسه ذات مرة بأنه «صهيوني متحمس»، وأعرب عن دعمه العلني لتل أبيب خلال الاحتفال البريطاني بالذكرى المئوية لإعلان «وعد بلفور»، واستنكر أثناء زيارته تل أبيب حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل، ما تسبب في غضب السلطة الفلسطينية، التي اعتذرت عن لقائه آنذاك، ومن المحتمل أن يربط جونسون بريطانيا بشكل أوثق بالنهج الأمريكي المتبع تجاه إسرائيل، ما يؤول إلى خلق توترات مع الدول العربية، وخاصة فلسطين. وختاما، من المرجح أنه لن تطرأ تغييرات على سياسة بريطانيا الحالية تجاه الشرق الأوسط، ولعل الاستثناءات ستكون منحصرة في الملفين السوري والإيراني؛ حيث قد تتغير بما يتماشى مع توافق جونسون وترامب إزاء هذين الملفين.
مشاركة :