ضحك الرئيس عبدالفتاح السيسى على (كوميكس) ساخر تناول الظروف الاقتصادية بعد رفع سعر المحروقات، لا أظن أن أحدا استأذن الرئيس، رد فعله كان تلقائيا، الدرس العملى يؤكد أن السلطة السياسية لديها مرونة فى تقبل النقد، وأن حالة الخوف التى صارت تنتاب الإعلام المصرى بكل أجنحته وتنويعاته مبالغ فيها، وزيادة قائمة القضايا الممنوعة والضيوف الممنوعين مجرد اجتهاد شخصى من مسؤول يخشى على مقعده.على أرض الواقع سنلحظ فى (الميديا) خفوت روح السخرية إلى درجة أننا لم نعد حتى نتحمل وجود (أبلة فاهيتا) على أرضنا، ضيقوا الخناق على برنامجها القائم بطبيعته على المبالغة، فهاجرت مع فريق العمل إلى دول الخليج، مثلا فنان الكاريكاتير الموهوب عمرو سليم يجد نفسه يوميا على صفحات (المصرى اليوم) وقد استبعد عشرة أفكار، ويبدأ فى الاقتراب بحذر شديد من الفكرة الحادية عشرة، والتى قد يستبعدها فى اللحظات الأخيرة!!. إليكم تلك الحكاية، فى مطلع الستينيات فى عز زمن جمال عبدالناصر،الرئيس سوف يحضر حفلا غنائيا بمناسبة افتتاح بناء السد العالى، مشروع مصر القومى الذى تحول إلى رمز للنضال، الكل يغنى للسد وناصر، أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد ونجاة وشادية وعبدالمطلب وغيرهم، كالعادة ترشق فى الذاكرة فقط أغنية عبدالحليم.الشاعر الرقيق أحمد شفيق كامل قالوا له: أمامك ساعات للكتابة، وجاء له خاطر (قلنا ح نبنى/ وآدى إحنا بنينا/ السد العالى).ووصل إلى شطرة (ضربة كانت من معلم/ خاللى الاستعمار يبلم) لأول مرة تستخدم مفردة يبلم، لم تكن تلك هى المشكلة، ولكن صفة معلم، التى نعت بها جمال وظلال الكلمة، فهى بقدر ما تنضح بصفات إيجابية الجدعنة والشهامة ومناصرة الحق، فهى أيضا طبقا للصورة الذهنية رجل يرتدى الجلباب ويدخن الشيشة، ليس له حظ من التعليم، ومن الممكن أن تتذكر الشخصية التى أداها محمد رضا الذى اشتهر بدور المعلم، أو قبله عبدالفتاح القصرى مثلا، تلك الصفة تبدو للوهلة الأولى وكأنها تنال من هيبة الرئيس، تحمس كمال الطويل للكلمة، ولحن الأغنية ودرجة حرارته 40، وأصر عبدالحليم على ترديدها، رغم تحذير كبار المسؤولين.روى لى الأستاذ كمال أنه كان يرقب خلف الستار ما تحدثه كلمة معلم، وأول من ضحك وزير التربية والتعليم كمال الدين حسين، ثم ارتفع صوت قهقهات جمال عبدالناصر، وانتصر حدس شفيق وحليم والطويل، بينما الدولة كانت تُراهن رسميا على قصيدة عزيز أباظة، تلحين السنباطى، وغناء أم كلثوم، والتى فرضوها على مناهح التعليم (حقق المعجزات عزم جمال/ فاحمدو الله أن حباكم جمالا/ هو والنيل واهبا السد هذا/ سال تبرا وذاك فاض نضالا)، وهكذا صار عبدالناصر موازيا فى حياة المصريين لنهر النيل.عاشت أغنية عبدالحليم التلقائية (قلنا ح نبنى)، واستطاعت أن تعبر الأجيال، بينما قصيدة أم كلثوم الرصينة ماتت فى الذاكرة السمعية، وتبخرت من عقول الطلبة.عندما قال لى بعض الزملاء إنهم فى طريقهم للقاء الرئيس، قلت لهم اسألوا الرئيس أن يتدخل لعودة المرونة والصدارة للإعلام المصرى، وانتظر (ضربة من معلم)!!
مشاركة :