لقد أراد عبدالحميد (عمر الشريف)، في فيلم (أيوب - 1984) أن يروي الحقيقة للناس.. إلا أنه يكتشف حين يشرع في ذلك أنه قد عاد من جديد لأهميته، إذ أصبح محوراً خطيراً لأحاديث رجال المال والأعمال الذين سوف تفضحهم سطور هذه المذكرات. من هنا يثور عليه الجميع، عندما يعرفون بقراره.. ويبدأ الصراع والصدام قاسياً. يحاولون تدمير المذكرات قبل أن ترى النور، ويحاول هو أن تطبع بأي ثمن وبأية طريقة، وحتى النهاية.. لتكون معركته الشرسة الجديدة وهو المشلول.. أما تلك القوى العاتية القادرة على تفتيت أقوى الخصوم. و(أيوب) فيلم جيد، يثير قضايا اجتماعية ونفسية هامة، وينجح في تفادي الوقوع في القوالب السينمائية التقليدية المعروفة للسينما المصرية. ولقد التزم كاتب السيناريو بتتابع الأحداث التي كتبها نجيب محفوظ في قصته القصيرة.. وبقدر ما أفاده هذا الالتزام في أغلب مشاهد الفيلم، بقدر ما تسبب في وقوع الكثير من الأخطاء. فالأديب الروائي يملك حرية أكثر في الانتقال بين الأحداث ولا يضيره مطلقاً أن يستخدم الصدفة في حل ما يعوق أبطاله من مشكلات.. فالصدفة موجودة في الحياة، ولها منطقها في الأدب الروائي.. ولكنها ليست كذلك في السيناريو الدرامي.. بل أن أكبر عيب يوجه للسيناريست، عندما يلجأ إلى حل مشاكله بالصدفة. وهذا هو ما حدث في مأساة البطل في فيلم (أيوب)، الذي يشفى لمجرد أن يرى كابوساً، فيصبح قادراً على الحركة.. وكان على السيناريست أن يبحث عن المعادل السينمائي. أما بالنسبة لشخصية البطل (عمر الشريف) فقد كانت في حاجة إلى دراسة سيكولوجية أكثر عمقاً.. حيث أن دوافع المرض واليأس من الحياة هي التي دفعته إلى هذه المواجهة مع النفس.. وكان من المنطقي بمجرد شفائه وعودته للحياة من جديد، أن يعيد النظر ويعيد حساباته مرة أخرى.. باعتبار أن هذه المواجهة ستقتله أولاً قبل أن تقتل الآخرين. لذا كان على السيناريست أن يبين لنا لحظات التردد والصراع الداخلي بين أن يكتب المذكرات أو لا يكتبها.. وربما أراد السيناريست مزيداً من التعاطف مع عمر الشريف، إلا أن هذا لم يكن في مصلحة الشخصية كبناء درامي. وأما الإخراج فقد امتاز بالبساطة والنعومة البعيدة عن التكلف واستعراض العضلات، فالمخرج هاني لاشين في أولى تجاربه الدرامية السينمائية، نجح في لفت الانتباه، وتقديم أسلوب بسيط ساعده على تجاوز الكثير من الأخطاء.. حيث أن أخطاءه لم تزد عن مجرد هنات قليلة لا يدركها المتفرج العادي.. هذا إضافة إلى نجاحه في قيادة فريقه الفني من فنانين وفنيين. لقد أدى عمر الشريف دوراً كبيراً يليق بعالميته، وحافظ في شخصيته (أيوب) على ألا يقع في مأزق الأداء الميلودرامي، خاصة وأن الشخصية تسمح بذلك، ولكنه ظل حريصاً على ألا يعبر الخيط الرفيع. أما فؤاد المهندس، فقد أدى واحداً من أهم أدواره على الشاشة، حيث تنبع الكوميديا دائماً من الأعماق، محافظاً في دوره على روح السخرية المستمرة. افتقد دور آثار الحكيم المكتوب على الورق للصدق والواقعية.. فلم تستطع أن تضيف شيئاً، حيث غاب الصراع الداخلي في الشخصية تماماً، والذي يعطي للممثل القدرة على الإبداع والعطاء. أما المليجي العملاق، فقد افتقدناه حقيقة في الفيلم.. ويبدو أن رحيله المبكر قبل انتهاء دوره في الفيلم، أدى إلى عدم ظهوره إلا في مشهدين لا يستحقان موهبته.
مشاركة :