رغم تمادي إيران في أنشطتها التخريبية في العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، فإن تطورات مواقف حلفاء الولايات المتحدة لا تشير عمليا إلى وجود تفاهمات محسومة بشأن المزيد من الضغط على طهران. ومنذ أن واجهت واشنطن صعوبات في كسب دعم حلفائها لمبادرة تهدف لتشديد الرقابة على الممرات الحيوية لشحن النفط في الشرق الأوسط، بسبب مخاوفها من تهديدات إيرانية، لا توجد إلى اليوم تطورات تؤكّد تماهي مواقف الولايات المتحدة مع أصدقائها بشأن ما تريد أن تقدم عليه إدارة ترامب من فرض ضغوط قصوى ضد طهران. مواقف متنافضة باستثناء التطور الوحيد، الحاصل في التغيرات السياسية الغربية بالتزامن مع اعتلاء رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون سدة الحكم والذي يبدو أنه يتبنى سياسات ترامب الخارجية، فإن بقية حلفاء واشنطن وفق العديد من التقارير لا يريدون المجازفة واتباع سياسات الولايات المتحدة في علاقة بالملف الإيراني. وبشأن الحيرة الأميركية إزاء التهديدات الإيرانية، يقول جون بي الترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلبت المساعدة لمواجهة التهديدات الإيرانية، لكن أصدقاء واشنطن لم يستجيبوا وقدروا أنهم أكثر أمانا في البقاء بعيدا عن “الضغط القصوى” التي يمارسها ترامب على إيران. ويضيف الترمان أن سبب ذلك ليس الخوف من الإيرانيين، ولكن لأن أصدقاء وشركاء واشنطن رأوا أنهم قد يكونون أكثر أمانا بعيدا عن أي شيء تعتزم الولايات المتحدة القيام به، وما يُحتمل جرهم إليه. أصدقاء واشنطن لا يستجيبون لطلب المساعدة الأميركية لمزيد الضغط على تهديدات إيران، اعتقادا منهم أنهم سيكونون في أمان بمعزل عن سياسات ترامب ويشير الترمان إلى أنه يبدو أن الحكومة الإيرانية تتبع سياسة تقوم على استمرار التوترات في الخليج وجعلها في حالة محتدمة لكن دون أن تتطور الأمور إلى درجة الغليان. والهدف من ذلك خلق أزمة وليس نشوب حرب. وتحاول إيران إرغام العالم على التعامل معها والسعي لإظهار عدم اكتراثها بحملة “الضغط القصوى” الأميركية والتي تهدد أي طرف دولي يمارس نشاطا تجاريا مع إيران. وفي هذا الصدد، أعلن رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان الأحد أن احتمالات اندلاع نزاع في منطقة الخليج تضاءلت، بعد سلسلة أعمال عدائية في المياه الاستراتيجية. وقال بوردستان “ربما للوهلة الأولى، تشير الأحداث في الخليج الفارسي إلى احتمال أن يكون هناك صراع عسكري، لكن عندما ننظر إلى عمق الأحداث، تقلّ الاحتمالات إلى حدّ كبير”. وأضاف “ليس لجميع دول الخليج مصلحة في رؤية أزمة أخرى في المنطقة”، مؤكدا أن “القوة العسكرية للقوات المسلحة الإيرانية (مرتفعة) لدرجة أن غطرسة العالم لن تجرؤ على استخدام أي خيار عسكري ضد البلاد”. ورأى أن “الخليج الفارسي يشبه ترسانة الأسلحة حيث إن مجرد انفجار ألعاب نارية يمكن أن يسبب كارثة كبيرة”.وبشأن الصعوبات التي تخنق طهران، يقول أميتاي إيتزوني، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، إن إيران تعاني من العقوبات المفروضة عليها، وقد حاولت طوال عام الالتفاف عليها بدعوة الاتحاد الأوروبي إلى أن يجد سبلا لتجاوز هذه العقوبات. وعندما لم يستجب الاتحاد الأوروبي، قررت إيران فرض تكاليف على الغرب من أجل دفعه إلى رفع العقوبات. وكانت إيران حريصة في ما يتعلق بالطريقة التي يمكن بها أن تفرض “ألما” على الغرب. وفى كل مرة عندما لم تواجه ردا انتقاميا، كانت تزيد من التصعيد. ومن الملاحظ أنها حرصت في ما يتردد أنها قامت به من عمليات خاصة بالناقلات وتدخلها في حركة المرور عبر مضيق هرمز، أنها لم تتسبب في أي خسائر في الأرواح، ولذلك كان رد الفعل الغربي ضعيفا للغاية. ودعا الغرب إلى خفض التصعيد. وأضاف إيتزوني في تقرير نشرته مجلة “ذا ناشونال إنتريست” أن الطريقة التي تفسر بها إدارة ترامب عدم ردها على ما تقوم به إيران مثيرة للغاية. فهي تقول إن طهران تسعى لمواجهة عسكرية، ولكن الولايات المتحدة لن تقع في مثل هذا الفخ. ويقول إيتزوني إن واشنطن، بعدم ردها على استفزازات إيران، تحبط كل مخططاتها. طهران تتجاوز حدودها قال إيتزوني إنه إذا لم يحقق المستوى الحالي من الاستفزازات ما تصبو إليه إيران، وإذا ما قوبلت برد فعل ذي فاعلية ضئيلة، فإن المنطق في هذا الموقف يدعو إيران إلى التصعيد. ويمكن للولايات المتحدة وقف التصرفات الإيرانية إذا استسلمت وألغت العقوبات. ولكن إذا كانت الولايات المتحدة غير مستعدة لقبول إيران التي تصر على الحصول على أسلحة نووية وصواريخ طويلة المدى، واستخدام مواردها لدعم الإرهاب في أنحاء المنطقة، مع تحقيقها الهيمنة فيها بصورة متزايدة، فسوف يتعين على الولايات المتحدة أن ترد بقوة على الاستفزازات الإيرانية. من ناحية أخرى، يقول ماثيو بيتي، باحث شؤون الأمن القومي في “ذا ناشونال إنتريست”، إن الرئيس ترامب يقول إنه يريد التحدث مع إيران، ولكن العناصر المتشددة في إدارته أغلقت بابا آخر للمفاوضات، حيث فرضت عقوبات اقتصادية على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنها ترى أن “وزارة الخارجية الإيرانية ليست مجرد ذراع دبلوماسية للجمهورية الإسلامية ولكن أيضا أداة لتعزيز الكثير من سياسات المرشد الأعلى التي تسبب عدم الاستقرار”. في هذا الصدد، أكد متحدث حكومي في طهران الأحد أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تلقى دعوة للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض. وتأتي الأنباء عن الدعوة، التي قال المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي إن السيناتور الأمريكي راند باول هو الذي قدمها، بعد أيام من فرض واشنطن عقوبات على وزير الخارجية الإيراني. وأضاف “أولا، يلتقي السيناتور الأميركي مع ظريف، وهو مدعو بعد ذلك إلى البيت الأبيض”. ويرى سينا توسي، وهو باحث بالمجلس القومي الإيراني الأميركي، أن هناك تناقضا في منطق الإدارة الأميركية. فقد فرضت وزارة المالية الأميركية عقوبات على ظريف “لأنه مقرب من خامنئي” ولكن المسؤولين يقولون من وراء ظهر ترامب إن “جواد ظريف ليس صانع قرار رئيسي، لذلك نحن لا نريد التفاوض معه”. وقالت بربارا سالفين، مديرة مشروع مستقبل إيران في مجلس الأطلسي لـ”ذا ناشونال إنتريست”، “إذا كنا نريد اتفاقا جديدا مع إيران، فمن هو المفترض أن يقود المفاوضات؟ ليس من حقنا اختيار كبير المفاوضين الإيرانيين الرئيسي، وإلا كان لهم الحق في اختيار كبير مفاوضينا. إن كل هذه الأمور تخرب أي إمكانية للدبلوماسية، وهو ما يحتمل أن يكون هدف من كانوا وراءها لأنهم، بصراحة، لا يريدون أي اتفاق جديد بين الولايات المتحدة وإيران”. لكن مركز ويلسون الأميركي يشير إلى أن بيان وزارة الخارجية الأميركية قال إن الولايات المتحدة تواصل السعي للتوصل لحل دبلوماسي يواجه السلوك المدمر من جانب النظام الإيراني، وإن الطريق الوحيد لتحقيق ذلك هو التوصل لاتفاق شامل يواجه جميع التهديدات الإيرانية، وحتى يتحقق ذلك، ستستمر الحملة الأميركية للعزل الدبلوماسي والضغط الاقتصادي الأقصى. وينتقد الدكتور ماجد رافي زاده، العالم السياسي ورئيس المجلس الأميركي الدولي الخاص بالشرق الأوسط، المجتمع الدولي لعدم اتخاذه أي إجراء إزاء ما قال إنه انتهاك إيراني واضح للقانون الدولي، لاسيما اتفاقية الأمم المتحدة المتفق عليها دوليا والخاصة بقانون البحار، والتي وقعت عليها إيران ولكنها امتنعت عن التصديق عليها. وذكر رافي زاده في تقرير له نشره “معهد جيتستون” الأميركي أنه كلما كان هناك صمت، زاد نشاط الدول المارقة،.واضاف بأن هناك حاجة لأن تحمّل الأمم المتحدة القادة الإيرانيين مسؤولية الانتهاكات، وأن تتخذ إجراءات ملائمة ضد عدوان إيران في الخليج. وأضاف أنه إذا لم تفعل الأمم المتحدة ذلك، فإن الدول الأخرى ستكون حمقاء إذا لم تحذو حذو إيران وتنتهك القوانين الدولية – مما يمكن أن يؤدي لاندلاع حرب كبرى.
مشاركة :