علاء الدين محمود كثيرة هي التعريفات والتحديدات التي أنتجها مفكرون حول المثقف، ودوره، فهذه القضية ظلت هاجساً للعديد من المشتغلين في الحقل الثقافي، حيث ظل السؤال الأبرز في هذا المسألة والذي مازال يردد حتى اليوم يتمحور حول من هو المثقف؟ ويبدو أن التصدي للسؤال بالضرورة سيقف عند محطتين مهمتين في هذا الصدد، وهي المتمثلة في الرؤى والأفكار والتعريفات والأدوار التي أسندها كل من الفيلسوف الإيطالي جرامشي، والفرنسي ميشيل فوكو، للمثقف.والواقع أن هذه التعريفات التي وضعها كل من الفيلسوفين قد وجدت كل هذا الاهتمام، ولا تزال، نسبة للشمول الذي يتصف به تعريف المثقف عندهما، وكذلك للبذل المعرفي الكبير الذي تم من قبلهما، لدرجة أن جميع الذين اشتغلوا على هذا الموضوع بعد جرامشي، وفوكو؛ إنما كانوا ينهلون من المنهل نفسه الذي أسس له الفيلسوفان الكبيران، فحتى تعريف المفكر إدوارد سعيد للمثقف كان يتراوح بين موقفيهما، وليس مصادفة أن يكون الكتاب الأشهر لسعيد هو «المثقف والسلطة»، فإلى جانب أن العلاقة مع السلطة ضد، أو مع، هي التي يشتغل عليها المثقف؛ فإن العنوان نفسه يشير إلى بدايات التنظير للمثقف عند جرامشي وفوكو، فقد انتقل كل منهما نحو عوالم المثقف، وتعريفه من مرحلة نقد الدولة والسلطة، وبالتالي نلمح هذا التأثر الكبير عند كتابات سعيد عن المثقف بهذين المفكرين، فنجد أن المثقف عند سعيد هو الناشط الاجتماعي صاحب الحس الأخلاقي المبدئي، والذي هو بمثابة ضمير البشرية، وهو الذي يدافع عن الحق، وقيم العدل.ولكن من هو المثقف عند جرامشي وفوكو؟ لاشك في أن تتبع الظروف والمكونات التي أنتجت تعريف المثقف ودوره عندهما هي بمثابة رحلة ماتعة في أفكار شخصين اتصفا بالعمق، والمعرفة، الموسوعية، فمن خلال التعريفات التي وضعها ماركس، ولينين، للدولة وسلطتها وحدود سلطة المجتمع، شكّل جرامشي موقفه من المثقف، فوضع مفهوم «المثقف العضوي»، وهو شخص مرتبط بالطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، ويلعب فيها دور الرافعة الفكرية والثقافية، ويمنحها وعياً بمهامها، ويصوغ تصوراتها النظرية عن العالم، ويدافع عن مصالحها، ويعمل نظرياً وفكرياً من أجل سيادتها، واستمرارها.أما فوكو فقد اطلع على طرح جرامشي حول مفهوم ومصطلح المثقف، وعمل على تجاوزه نحو أفق جديد، لذلك قام بإعلان نهاية المثقف المالك للحقيقة والذي يمثل ضمير المجتمع، وميز بين المثقف الكوني، والمثقف المتخصص، وأعلن عن مثقف جديد متخصص ويقف ضد الشمولية، وصاحب موقف أخلاقي وسياسي في داخل مجتمعه.
مشاركة :