كان جميلاً وأنيقاً في كل شيء، جميلاً وأنيقاً في معتقداته وأفكاره ، وجميلاً وأنيقاً في مشاعره وأحاسيسه، وجميلاً وأنيقاً في مقالاته ومؤلفاته، وجميلاً وأنيقاً في حديثه وصمته، وقبل كل ذلك كله وبعده كان نبيلاً من نبلاء العرب، لا هم له إلا إحياء مكارم الأخلاق في كل فعل من أفعاله ، وكل قول من أقواله. كان قلباً كبيراً حانياً لم يكتشفه على حقيقته إلا الخلّصُ من أصفيائه، حمل من هموم وطنه وأمته ما تنوء بحمله الجبال ، وكتم من تباريحه ولوعاته ما تعجز عن وصفه الأقوال، ورغم كل ذلك لم يُرَ إلا مبتسماً هاشاً باشاً في كل الأحوال. كان نفساً زكيّة بكل ما تعنيه الكلمة، لم يعرف الحقد ولا الحسد، ولا فكر في الانتقام من أي أحد في أي يوم. كان ينزه لسانه وقلمه عن الخوض في أعراض الناس وقول السوء ، فلا تسمع منه إلا الحسنى رحمه الله. كان وطنياً من الطراز الرفيع، ينتشي طرباً لكل إنجاز يحققه الوطن أو أحد أبنائه أو بناته، ويغتم كثيراً لكل أمر له تأثير سلبي على الوطن ومن ينتمون إليه. كان يؤرقه تردي الإعلام في البلاد العربية سواء الإعلام التقليدي أم إعلام وسائط التواصل الاجتماعي، وكان يدرك وهو الخبير خطورة ذلك على الأجيال القادمة، وما يمكن أن ينتجه مثل ذلك التردي على مدى السنين من انحطاط في التفكير والسلوك والذوق العام. كان ناقداً بارعاً ليس في مجال الإعلام فحسب وإنما في مجالات الفكر والأدب والفنون والسياسة. هاتفني في منتصف الصيف الماضي وهو في باريس وأنا في جنيف وأبلغني أنه سيأتي لزيارتي والاطمئنان علّي حيث كنت أعالج في أحد المستشفيات السويسرية، فأبلغته بأن الحق له وأنني أنا من سيزوره في باريس، وتجادلنا طويلاً ولم يرض - رحمه الله - بعدم المجيء إلا بعد أن أكدت له بأن لدي اجتماعاً في باريس الأسبوع التالي سأجمع من خلاله الحسنيين. وفي هذا الصيف قبل ما يقرب من شهر فوجئت باتصال هاتفي من معالي الشيخ محمد أبا الخيل وزير المالية السابق (وهو عديل أبي طلال) يبلغني فيه بأن أبا طلال يرغب في زيارتي للاطمئنان عليّ، وعرض معالي الشيخ محمد أن يستضيفنا خلال وجود أبي طلال هنا، وكأني بأبي طلال - رحمه الله - أراد بذلك الالتفاف أن يتفادى رفضي لتكبده عناء السفر كما فعلت في المرة السابقة. كانت زيارته وأم طلال على قصرها حلماً جميلاً قضينا فيه لحظات من أجمل لحظات العمر، وما كنا ندري بأن ذلك اللقاء سيكون اللقاء الأخير بيننا في هذه الدنيا الفانية.
مشاركة :