رهَن الرئيس الإيراني أي مفاوضات مع الولايات المتحدة برفع عقوباتها المفروضة على طهران، وقال إنه يجب على الأميركيين أن يكونوا مستعدين للتفاوض بـ«عدل».ووجّه حسن روحاني خطابه إلى الولايات المتحدة، وقال: «إذا أردتم الأمن وأن يكون جنودكم في المنطقة بأمان، فالأمن في مقابل الأمن. أنتم لا تستطيعون الإخلال بأمننا وأن تتوقعوا الأمن لأنفسكم، وكذلك السلام في مقابل السلام، والنفط مقابل النفط»، بحسب وكالة «إرنا» الإيرانية الرسمية للأنباء، مضيفاً: «لا يمكنكم القول إنكم ستمنعون تصدير نفطنا». وفي إشارة إلى «مواجهة الناقلات» بين لندن وطهران، قال روحاني: «المضيق مقابل المضيق. لا يمكن أن يكون مضيق هرمز مفتوحاً لكم، وألا يكون مضيق جبل طارق كذلك بالنسبة لنا».وتخوض إيران مواجهة في البحار مع بريطانيا حليفة الولايات المتحدة، منذ أن ساعدت قوات البحرية الملكية في احتجاز ناقلة نفط تحمل النفط الإيراني قبالة جبل طارق التابع لبريطانيا، في 4 يوليو (تموز) الماضي. وبعد نحو أسبوعين، احتجزت بَحْرية «الحرس الثوري» الإيراني ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني في مضيق هرمز؛ الممر الاستراتيجي الذي يعبر منه يومياً نحو ثلث إمدادات النفط العالمية المنقولة بحراً.إلى ذلك، قال روحاني في معرض دفاعه عن الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 في فيينا بين إيران والقوى العظمى، إن «السلام مع إيران هو أساس كل سلام... والحرب مع إيران هي أمّ كل الحروب». وأضاف في تصريحات نُقلت مباشرة على التلفزيون الرسمي، إن إيران «تؤيّد المحادثات والمفاوضات. وإذا كانت الولايات المتحدة فعلاً تريد التحاور، فعليها قبل أي شيء آخر أن ترفع كل العقوبات».وصرّح روحاني من وزارة الخارجية بعد لقائه ظريف، بأن بلاده مستعدّة لإجراء محادثات بغضّ النظر عمّا إذا كانت الولايات المتحدة طرفاً في الاتفاق النووي أم لا. وتابع روحاني: «سواء يريدون (الأميركيون) الانضمام إلى الاتفاق النووي أم لا، فالأمر يعود لهم». وأشار إلى أن «كل العقوبات يجب أن تُرفع كي لا يكون هناك مجرمون أمامنا»، متهماً الولايات المتحدة بممارسة «الإرهاب الاقتصادي» بسبب عرقلة استيراد المواد الغذائية والأدوية. وقال: «إذا كانوا يريدون محادثات، فعليهم أن يمهّدوا الطريق لذلك»، مطالباً الإدارة الأميركية بالاعتذار للشعب الإيراني، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن وكالة «فارس» للأنباء.وجاء موقف روحاني من المفاوضات تأكيداً على رفض وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في شهر يونيو (حزيران) الماضي، التفاوض ما لم ترفع واشنطن العقوبات.وعدّ روحاني فرض العقوبات على المرشد الإيراني علي خامنئي وظريف «دليلاً على تناقض دعوة الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات من دون شروط». لكنه أغلق في الوقت نفسه الباب أمام أي مفاوضات؛ ما لم تنل موافقة المرشد وما لم تكن بإدارة وزير الخارجية.ووجد روحاني نفسه في موقف دفاع عن مكالمة هاتفية أجراها قبل 6 سنوات مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على هامش أعمال الجمعية العامة بالأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2013، وهو الاتصال الوحيد المعلن بين الرئيسين الإيراني والأميركي على مدى نحو 4 عقود من المقاطعة بين البلدين. وفي منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2013، قال خامنئي أمام حشد من العسكريين إنه «يُثمّن» الجهود الدبلوماسية، لكنه عدّ بعض ما وقع في نيويورك «في غير محله». وتابع روحاني أنه لو لم يردّ على اتصال أوباما لكانت عملية توصُّل بلاده إلى اتفاق مؤقت في جنيف «بطيئة وشاقة».وتصاعدت التوترات بين إيران والولايات المتحدة منذ أن أعلن ترمب في مايو (أيار) 2018 بشكل أحادي انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، وأعاد فرض عقوبات على إيران ضمن حملة «الضغوط القصوى» التي يمارسها.وبعد 12 شهراً، ردّت إيران عبر تعليق بعض الالتزامات التي اتخذتها بموجب الاتفاق. وكان الوضع مهدداً بالخروج عن السيطرة بسبب تعرض سفن لهجمات وإسقاط طائرات مسيرة واحتجاز ناقلات نفط. وفي ذروة الأزمة، تراجع ترمب في يونيو (حزيران) الماضي عن شنّ ضربة جوية ضد إيران في اللحظة الأخيرة، بعد أن أسقطت القوات الإيرانية طائرة مسيّرة أميركية.ودافع روحاني الذي كان جالساً بجانب ظريف، عن الوزير الذي واجه انتقادات من أطراف داخلية بشأن دوره في الاتفاق الذي انسحب منه الأميركيون بشكل أحادي. وقال: «كان لدينا كثير من الانتصارات الاقتصادية (في أعقاب الاتفاق) أثارت غضب البعض»، مشيراً إلى المنافع التي حققها الاتفاق في قطاعي النقل والمصارف في إيران. وأشار روحاني مرة أخرى إلى دور المرشد الإيراني علي خامنئي في الاتفاق النووي عندما وافق على نقل ملف المفاوضات النووية من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى وزارة الخارجية. وعدّ تكليف الخارجية سبباً في توصل إيران إلى اتفاق جنيف بعد مائة يوم من المفاوضات.وفي الوقت ذاته وجه روحاني طعنة لمفاوضات جرت في زمن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، قائلاً: «طاولة المفاوضات كانت ممتدة لثمانية أعوام ولم تؤد إلى نتائج» مشيراً إلى أن الانتقادات الداخلية للمفاوضات النووية بدأت بعد اتفاق جنيف.إلى ذلك، عدّ روحاني أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ عندما اعتقدت أن «كل شيء سينتهي» بالنسبة لإيران بعد أن «خطط البعض لأعمال شغب في الشوارع» في ديسمبر (كانون الأول) 2017. وكانت إيران شهدت آنذاك أياماً من الاحتجاجات الحاشدة التي قوبلت بقمع من السلطات، على خلفية تدهور الوضع الاقتصادي وإجراءات التقشف. وكان عدد من كبار المسؤولين في إدارة روحاني قد وجهوا تهماً لخصومهم المحافظين بتحريض الشارع الإيراني على الخروج في احتجاجات بدأت بمدينة مشهد؛ ثاني أكبر معقل للمحافظين في إيران.وقال الرئيس الإيراني إن «هذا الأمر أوقع الأميركيين في الفخ. اعتقدوا أن نظام إيران ضعُف». وتابع: «لقد قالوا: (إيران بلغت مستوى بحيث إننا إذا أعطيناها دفعة أخرى، فكل شيء سينتهي)». ورأى أن هذه الدفعة من جانب «دعاة الحرب» خيّبت آمال ترمب، وأدت إلى اتخاذه قرار الانسحاب من الاتفاق النووي.على صعيد متصل، أكد وزير الخارجية الإيراني، أول من أمس، تقارير إعلامية تفيد بأنه رفض دعوة للقاء ترمب في البيت الأبيض الشهر الماضي. وقال ظريف: «قيل لي في نيويورك إنه سيتم فرض عقوبات عليّ خلال أسبوعين ما لم أوافق على العرض، الذي، لحسن الحظ، لم أقبله».وأفادت مجلة «نيويوركر» الأميركية الجمعة الماضي بأن السيناتور الجمهوري راند بول التقى ظريف في 15 يوليو بالولايات المتحدة، ودعاه بمباركة من ترمب إلى زيارة البيت الأبيض. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على ظريف قبل أسبوع، مستهدفة أصوله في الولايات المتحدة مع الضغط على قدرته على ممارسة عمله الدبلوماسي.في الأثناء، نقل موقع الخارجية الإيرانية أن ظريف التقى، أمس، قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»؛ الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري». ونسبت الخارجية إلى سليماني قوله إن «الخطوة الأميركية بفرض العقوبات أثبتت أن مسؤول السياسة الخارجية الإيرانية لديه تأثير عميق على الرأي العام؛ خصوصاً الأميركيين» إزاء ما عدّه «جهل» قادة الولايات المتحدة.على صعيد آخر، كشفت وزارة الدفاع الإيرانية، أمس، عن 3 صواريخ موجّهة جديدة بالغة الدقة. وعدّ وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي أن هذه الصواريخ تثبت أن بلاده مستعدة للدفاع عن نفسها في مواجهة «خبث ودسائس» الولايات المتحدة.
مشاركة :