«إرثي».. مهارات تنسجها الحرفيات الإماراتيات

  • 8/9/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة:أمل سرور «ترك لنا الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبي، الذي يحق لنا أن نفخر به ونحافظ عليه، ونطوره ليبقى ذخراً لهذا الوطن وللأجيال المقبلة». كلمات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كانت رفيقتي في رحلتي إلى المدينة العريقة دبا الحصن. تلك العبارات التي تداعبك طوال الطريق إلى تلك الواحة التي يسترخي فيها الماضي، مستدعياً ذكرياته، متحصناً بأدوات الحداثة، تمثل إطلالة عميقة على صون وحفظ تراث هذا الوطن القديم، الذي نجح فيه مجلس «إرثي للحرف المعاصرة» عبر دمج الماضي بالحاضر رافعاً شعاراً يخاطب كل امرأة إماراتية «حرفتك هي مصدر قوّة وفخر لك».«الخليج» زارت مركز «بدوة للتنمية الاجتماعية» لتنقل عبر السطور المقبلة تفاصيل ومحطات مشوار طويل للحرفيات الإماراتيات من دبا الحصن إلى أوروبا.ما إن تطأ سيارتك أرض مدينة دبا الحصن لا تملك سوى الاستسلام لتلك الطبيعة الخلابة، التي تجمع بين قسوة الجبل وسكون البحر، فيها تشعر أن الأول يخلع عباءة الصلابة؛ ليذوب أمام أمواج الثاني الهادئة. استحقت بجدارة أن تلقب بالمدينة الفاضلة، والحقيقة أن وصفها ليس مرتبطاً بمدينة أفلاطون الافتراضية؛ بل بمدينة عربية إسلامية تجعل العدل والأمن معيارين للفضيلة، وترى في جوهر الإسلام وروحه فضاءً للرفعة.ويبدو أن هذا هو المغزى الذي جعل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، يصفها ويلقبها بالمدينة الفاضلة أثناء زيارته لها في عام 2006، ولقائه مع أهالي المدينة، حين قال سموه: «نتمنى أن تعملوا معنا؛ للارتقاء بهذه المدينة لتصبح المدينة الفاضلة».شريفة الظهوري، مدير مركز «بدوة» للتنمية الاجتماعية كانت أول من استقبلنا بحفاوة؛ بل لم تفارقنا طوال رحلة تجوالنا في المركز.الظهوري بدأت حديثها بالقول: مجلس «بدوة» يرحّب بجميع النساء من مختلف الأعمار والمستويات الحرفيّة، ويركّز على استقطاب الأجيال الجديدة من الشابّات الحرفيّات اللواتي يدعوهنّ إلى التفكير بجدّيّة في ممارسة الحرف التقليديّة وانتهاجها بشغف وكأنها أسلوب حياة. فبعد تقييم مستوياتهنّ، يباشر في تقديم البرامج التدريبيّة بما يتناسب مع مستوى كلّ واحدة منهن. فتمرّ المتدرّبات بمراحل تدريب وتأهيل وتتواصل مع الحرفيّات بشكل يوميّ؛ عبر موظّفات المركز، لمعرفة التحدّيات التي تواجههنّ، ولمعرفة كيف يمكن للمركز أن يدعمهنّ؛ ليحقّقن منجزات لأنفسهنّ من خلال ما يتعلّمنه. فيبرز هويّتهنّ ويروي قصصهنّ من خلال تقديمها إلى العالم، فيعترف العالم بإبداعاتهنّ التي تعكس واقع الثقافة الإماراتيّة الأصيلة، ويمنحهن شعوراً بالإنجاز والرضا والفخر بعملهنّ، ويرسّخ حضورهنّ ودورهنّ الأساسيّ في المجلس، سواء في الإنتاج أو التصميم.وتضيف الظهوري: يوظف «بدوة» المعتمد للتدريب والإنتاج في دبا الحصن أكثر من 40 حرفيّة، يتعلّمن أنواعاً جديدة من الحرف، ويعملن مع فريق المجلس على تطوير مهاراتهنّ الحرفيّة والشخصيّة واستحداث أنماط وتقنيّات جديدة في الحرف، هذا إضافة إلى أننا نحرص على توفير مصدر دخل مستدام للحرفيّات؛ لتحقيق التمكين المهنيّ والاجتماعيّ لهنّ، إلى جانب طرح برامج التبادل الحرفيّ مع الحرفيّات من مختلف دول العالم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى.الظهوري لفتت أيضاً إلى أن مجهودات المركز تحرص على فتح أسواق جديدة للمرأة الحرفيّة؛ من خلال تعزيز الشراكات الدوليّة مع المؤسّسات الحرفيّة ودور الأزياء وعلامات التصميم العالميّة. شغف الحرفيات ما إن تقع عيناك على الحرفيات، اللاتي رحن يعملن بحب وجد تستطيع أن تلمحهما في ابتسامتهن من خلف البرقع الإماراتي القديم، حتى وتشعر بأن هناك حالة شغف بتلك الحرف القديمة سيطرت عليهن، ولعل هذا ما أكدته شيخة سرحان محمد الظهوري إحدى الحرفيات التي تحدثت بالقول: الحرف التقليدية إرث تعلمته من أمي، التي علمتني جدل التلي وحياكة الكروشيه وصنع السلال، إضافة إلى صناعة السجاد والكنادير وغيرها من الحرف التي باتت بالنسبة لنا تعد جزءاً أصيلاً من هويتنا وتاريخنا.بينما التقطت الحرفية سندية خميس حمدان الحديث قائلة: إن مجلس إرثي أتاح المجال للحرفيات؛ لمواصلة الإبداع والحيلولة دون اندثار هذا النوع من الفنون التقليدية، والحقيقة أننا نتعلم كل يوم شيئاً جديداً في مركز بدوة، ونحن اليوم نسعى لأن تبقى هذه الفنون وتزدهر، ونفخر أن نرى تصاميمنا التقليدية التراثية بأساليب وأشكال جديدة تزيّن قطع أزياء، وحقائب وأعمال فنيّة في معارض عالمية.وعبّرت مريم عبد الله أحمد اليماحي عن سعادتها في الانتماء لمشروع «بدوة» قائلة: تعلمت العديد من التصاميم الجديدة في التلي من خلال هذا البرنامج، حتى أصبحت أتقن الكثير منها؛ إذ تطوّرت مهاراتي إلى درجة لاحظها الجميع، وتعلّمت أنواعاً جديدة لم أكن أمارسها سابقاً. نقوش إماراتية تجوب العالم يعمل مجلس «إرثي للحرف المعاصرة»، التابع لمؤسسة «نماء للارتقاء بالمرأة»، على تطوير تصاميم جديدة من الحرف التقليديّة على صعيد «التلي» و«السفيفة»، واستحداثها؛ لتخدم استعمالات متعدّدة في الفنّ والتصميم والأزياء، مغايرة عن استخداماتها الأصليّة، من دون الإخلال بجوهرها وجمالها الأصيل. وتخبرنا شريفة الظهوري، مدير مركز «بدوة» للتنمية الاجتماعية، أنّه ضمن مشاركة المجلس في معرض Premiere Vision الفرنسيّ حديثاً، قدّم أكثر من 50 نوعاً من تصاميم «التلي» التي أشرف المجلس على ابتكارها مع المصمّمين والحرفيّات، وعرض أكثر من 20 نوعاً تجريبيّاً من جدائل التلي المحدّثة، سواء على مستوى تطوير تقنيّات جديدة واستخدامها أو إدخال المواد غير التقليديّة؛ مثل: استخدام الخيوط المعاد تدويرها وخيوط الذهب والفضّة الخالصة والجلد.واستطاع المجلس تحقيق الكثير من الإنجازات للحرف الإماراتيّة التقليديّة على الصعيد العالميّ في الأعوام الماضية؛ عبر الشراكات الرائدة مع دور العرض وعلامات الأزياء العالميّة والمؤسسات الداعمة للحرف حول العالم. وأُطلق في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بالتعاون مع مؤسّسة كريتيف ديالوج الإسبانيّة، مشروع «حوار الحرف»، الذي يرتكز على المزج بين الحرف التقليديّة الإماراتية والأجنبية مع إدخال فنون التصميم الحديث، وانطلقت المرحلة الأولى من المشروع بمشاركة مجموعة من حرفيات برنامج «بدوة» ومصممين من الإمارات وإسبانيا وإيطاليا، عملوا على تصميم أربع مجموعات فنية حصرية تتداخل في صناعتها وتصميمها فنون «التلي» و«السفيفة» والفخار من الإمارات وزجاج مورانو من إيطاليا والجلد من إسبانيا.وشارك المجلس جمهور معرض تورينو الدولي للكتاب عندما عرض جماليات المكان الإماراتي وتاريخ الحرف الشعبية المحلية وما تشتهر به الإمارات من نباتات وأشجار مميزة؛ من خلال مشاركته فعاليات اختيار الشارقة ضيف شرف المعرض؛ حيث روي في إصداره لمجموعة من الكتب حكاية التراث الإماراتي بصرياً من دون أي لغة مكتوبة أو مسموعة؛ إذ يكتفي بتقنيات طي وقص الورق في الكتب المجسمة؛ ليعرض أمام الجمهور الإيطالي والأوروبي أبرز المعالم الفنيّة في الشارقة، والبيوت التراثية القديمة، ويفتح لهم نافذة على حرف الصيد وتقاليده، إلى جانب تقديمه لجماليات شجرة الغاف المعروفة في الثقافة الإماراتية.ولم ينس جمهور المعرض تلك السجادة الفنية المزينة بالتلي، التي نسجتها الحرفيات والتي قمن بعرضها؛ تجسيداً منهن لملامح تقاليد المهن الإماراتية وفنونها.

مشاركة :