ظنت حكومة طهران أن الغرب أو الولايات المتحدة على الأقل هي من يقف خلف هذه العاصفة كورقة ضغط عليها في ملفها النووي، حيث توقفت حساباتها على أن العرب لا يمكن أن يُبرموا أمراً دون موافقة أو مباركة الغرب.. عجّلتْ عاصفة الحزم (فيما يبدو) بكل ما فيها من عناصر القوة والمباغتة بدفع المفاوض الإيراني في لوزان لإخراج كل ما في حقائبه من التنازلات دفعة واحدة، ليوقع مع دول ال 5+1 اتفاقية الإطار، على أمل أن يظفر في المقابل بأي إشارة توحي بإطلاق يده في المنطقة لاحتواء تلك العاصفة التي هبّت على حين غرة، ولو على غرار ما فعلته السفيرة الأميركية غلاسبي مع صدام حسين عشية غزوه الكويت، ظناً من حكومة طهران أن الغرب أو الولايات المتحدة على الأقل هي من يقف خلف هذه العاصفة كورقة ضغط عليها في ملفها النووي، حيث توقفت حساباتها على أن العرب لا يمكن أن يُبرموا أمراً دون موافقة أو مباركة الغرب. وبعد الاحتفال بنصرها المبين بهذا الاتفاق، وتصويره على أنه الضربة الساحقة للغرب، وبالتالي جلاء الموقف الأميركي من العاصفة التي بُوغتَ هو الآخر فيها، وهو ما تبيّن من خلال محاولته اللحاق بها بما وُصف بالدعم اللوجستي، عاد الإيرانيون ابتداءً من المرشد إلى الرئيس روحاني إلى رفسنجاني وغيرهم لفتح ملف الاتفاق مجدداً وطرح الإملاءات، تماما كما لو أنهم لم يتفقوا على أي شيء، ومعاودة ربط الاتفاق برفع العقوبات الاقتصادية دفعة واحدة كشرط رئيس للمضي قدما في توقيع الاتفاق النهائي. ما الذي تغيّر مما قبل العاصفة إلى ما بعدها؟، الذي تغيّر وأفصحتْ عنه مضامين المواقف، أن العاصفة خلقتْ أنواءً جديدة في المنطقة، لا دور لأمريكا ولا للقوى الغربية فيها، ما دفع الإيرانيين بعد أن أعادوا تثبيت عمائمهم على رؤوسهم بعد الهبّة المباغتة، لمراجعة تنازلاتهم التي طيّرتها العاصفة، والتي سبق وأن وصفتها صحيفة كيهان بقولها: "إن إيران بهذا الاتفاق قدمت للغرب خيلاً مطهماً بكامل زينته، فيما عاد مفاوضوها إلى طهران برسنٍ مهترئ"، وذلك بعد أن استوعبوا أنهم يحاورون في ملفهم النووي أطرافاً ما عادتْ هي اللاعب الرئيسي الوحيد في صناعة المناخ السياسي والعسكري في المنطقة، ومن يمتلك حق إعطاء تأشيرات الدخول إلى هذا المكان أو ذاك، أو يحول دونه، ولو لم يكن الإيرانيون مقتنعون بذلك الاتفاق مبدئياً على أمل الحصول على إذن لإخماد تلك العاصفة كثمن للتوقيع بالأحرف الأولى، لما احتفلوا به كما لم يحتفلوا بالنوروز، وبلغ ضجيجهم به عنان السماء، قبل أن يتبينوا أن هذه العاصفة التي دفعوا ثمن إيقافها مقدما على طاولة لوزان، إنما دفعوه لبائعٍ لا يملك بضاعتها، فهي عاصفة خليجية عربية إسلامية، لبّتْ نداء الواجب باتجاه شقيق سُرقت شرعيته من قبل لصوص تعودوا أن يرشوا الغرب مقابل صمته عنهم بتقاسم أنفال الأمة معه. هنا عاد صخب المساومة من جديد، وكأن كل تلك الجولات الماراثونية مجرد حلم عابر. الاتحاد الروسي الغارق في أحلام استعادة القيصرية، والذي كان هو الآخر تحت وطأة المفاجأة، ظل يشكك في إمكانية قيام هذه العاصفة بعيداً عن ضلوع الغرب فيها، إلا أنه وبعد أن وجدهم يحثون السير للحاق بها حفاظاً على صورتهم، أطلق موقفين يصبان في خانة حالة الارتباك التي يعيشها، فمن جهة يمتنع عن التصويت على القرار الخليجي في مجلس الأمن تجاه اليمن رقم 2216، دون استخدام الفيتو كالعادة، من باب ترجيح عدم ضلوع الغرب في عاصفة الحزم، ومن جهة أخرى يقرر تزويد إيران بصواريخ إس 300، مع تطمين إسرائيل بأن هذه الخطوة التي تتجاوز العقوبات الدولية ليست موجهة لها، بمعنى أنها موجهة لدول التحالف وللغرب إن كان يقف معها. لكن ما لم تدركه روسيا وإيران وملحقاتها أن الجبهة الداخلية للتحالف لم تشهد إجماعاً في متانة الإجماع خلف عاصفة الحزم، فالذين يرون في التمدد الإيراني حرباً مذهبية سيقاتلونها عند أي مغامرة على هذا الأساس، والذين يرون أنها حرباً عنصرية قومية بين الفرس والعرب أيضاً سيواجهونها على هذا الأساس، والذين يرون أنها اقتصاص للساسانية من التاريخ والثقافة العربية، سيقاتلونها لحماية تاريخهم وثقافتهم، والذين يجدون فيه عدواناً قُطرياً على الأرض والتراب كذلك سيقاتلونها على هذا الأساس دفاعاً عن الأرض والتراب، والإسلاميون الذين يرون في دخولها على جبهة اليمن تناوشاً وتهديدا للحرمين الشريفين سيقاتلونها على هذا الأساس، كل هؤلاء سيواجهون أي مغامرة إيرانية بدوافعهم الذاتية التي قد تختلف أيديلوجياً، لكنها تتفق في الهدف والغاية، وحدهم (الشعوبيون الجدد) هم من سيكون خارج الصف، وهي حالة اصطفاف عفوية وغير مسبوقة في التاريخ العربي والإسلامي، مما يتيح أمام عاصفة الحزم وزعيمها سلمان بن عبدالعزيز كل الخيارات لإعادة ترتيب أمن المنطقة والأمة العربية بكثير من الأريحية، ودون أي ضغوطات تذكر، يمكن أن تثنيها عن غايتها أو تنال من إرادتها.
مشاركة :