أنهت الجبهة الثورية ووفد قوى الحرية والتغيير اجتماعاتهما في القاهرة مساء الاثنين، بعد يومين من الشدّ والجذب أملا في تذويب النقاط الخلافية، وتضمين تفاهمات السلام المتفق عليها في أديس أبابا الشهر الماضي ضمن وثيقة الإعلان الدستوري التي سيتم التوقيع عليها نهائيا السبت المقبل، للشروع في بدء استحقاقات المرحلة الانتقالية. وبدت المحاصصة السياسية واحدة من الخلافات الجوهرية التي تتخفى وراء الوثيقة الدستورية، فالجبهة الثورية تريد أن يكون لها نصيب كبير في السلطة خلال المرحلة الانتقالية، باعتبارها من قادت العمل العسكري وساهمت في إضعاف نظام الرئيس المعزول عمر حسن البشير، بينما ترى قوى الحرية والتغيير أنها قادت الحراك الثوري في الشارع، ويجب أن تكون ممثلة بما يتناسب مع تضحياتها. ولجأ ممثلو الوفدين إلى العبارات الدبلوماسية للتأكيد على عدم فشل جولة القاهرة، والتمسّك بمواصلة الحوار حول النقاط العالقة في الخرطوم وخارجها، للوصول إلى اتفاق حول وثيقة السلام التي تطالب الجبهة أن تكون جزءا أساسيا في الوثيقة الدستورية. ولفت الباحث السوداني حامد التيجاني، إلى أن الخلافات أساسا “تنصبّ حول شغل المواقع في الحكومة والبرلمان المقبلين، وأن الطرفين ينظران إلى المرحلة الانتقالية باعتبارها المؤسس للوضع السياسي المستقبلي لكل طرف، في ظل وجود أطماع غير خافية للوصول إلى السلطة، وبالتالي فإن الاتفاق بينهما سيكون مستحيلاً في الوقت الحالي”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك صراع مصالح مشتعل بين الطرفين في ظل تنامي الحديث عن المحاصصات الحزبية في الحكومة والبرلمان، وأفرز حاجة إلى تغليب كل طرف لأجندته الشخصية بعيدا عن التركيز على حل القضايا العالقة، وقد يفوّت الطرفان الفرصة على الدعم الشعبي السوداني للسلام”.ويتخوّف البعض من أن تنحرف قوى الثورة عن مسارها السليم، وفي حال استأثرت قوى الحرية والتغيير بالمناصب الحكومية والبرلمانية فذلك لن يدوم طويلاً، وقد يتحرك الشارع مجدداً ضدها لتصحيح الأوضاع. وينظر هؤلاء إلى أن تنقّل الجبهة الثورية والحرية التغيير بين العواصم الأفريقية المختلفة على أنه “مراوغات ومحاولة لكسب الوقت، وسعي للحصول على أكبر قدر من المكاسب، لكن في النهاية لن تكون هناك نتائج إيجابية للبناء عليها مستقبلاً”. وتلقت الجبهة الثورية دعوة من حكومة جنوب السودان الاثنين، لعقد جولة جديدة من الحوار في جوبا، من دون أن تحدد الغرض منها. وكشفت بعض المصادر لـ”العرب”، أن النتيجة بالنسبة للقاهرة مشجعة لمواصلة دورها خلال فترة رئاستها للدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، وأذابت بعض الثلوج التاريخية، وبدأت أطراف سودانية كثيرة ترى في مصر وسيطا مكملا للجنة الوساطة الأفريقية- الإثيوبية. ومرجّح أن تبدأ الجبهة الثورية، المشكلة من ثلاث حركات مسلحة، هي: تحرير السودان، جناح مني أركو ميناوي، والعدالة والمساواة، والحركة الشعبية- قطاع الشمال، جناح مالك عقار، حوارا جديدا في القاهرة بعد أسبوعين حول كيفية الوصول إلى سلام شامل. وأعلنت الخارجية المصرية في بيان لها الثلاثاء، أنّ القاهرة استضافت اجتماعا هاما بين قوى الحرية والتغيير، ومن ضمنها الجبهة الثورية، بغرض تحقيق السلام كقضية رئيسية تهم الجميع في السودان ودعماً للوثيقة الدستورية المقرر التوقيع عليها في 17 أغسطس الجاري. وأضافت أن المشاركين في الاجتماع تبادلوا الآراء واتفقوا على عرض ما تمّ التوصل إليه على قيادة قوى الحرية والتغيير في الخرطوم، وستواصل مصر اتصالاتها مع الأشقاء في السودان، ودول الجوار والإقليم لتحقيق السلام والاستقرار هناك، ودعم الحكومة الجديدة. ورهن ياسر عرمان القيادي بالجبهة الثورية الحضور للمشاركة في الاحتفال بما سيحدث بعد عودة وفد الحرية والتغيير إلى الخرطوم، ونقل ما تم التباحث حوله في القاهرة إلى قيادتهم، قائلا “إن تم حل القضايا سيحضر وفد من الجبهة للخرطوم”. وأشارت قيادات الجبهة في مؤتمر صحافي في ختام اجتماعات القاهرة، إلى أنه لم يتم الاتفاق النهائي على أي نقطة، لأن وفد الحرية والتغيير لا يملك تفويضا كاملا، وهذه كانت عقبة كبيرة، وسيقوم بعرض ما تمّ على مكوّناته في الخرطوم، وإذا لم يتم تضمين تفاهمات أديس أبابا في الإعلان الدستوري سيبقى موقف الجبهة الرافض له كما هويظل مطلب الجبهة المعلن تعديل المادة 69، كي تنص صراحة على سيادة أو حاكمية نصوص اتفاقية السلام القادم على كل الوثائق الدستورية، بينما اكتفى النص الحالي بالخطوط العريضة دون إشارة واضحة ومحددة لتفاهمات أديس أبابا. وتضمن الجبهة من وراء الصياغة التي تريدها عدم نقض التفاهمات وترفعها عن الخلافات، وجني مكاسب سياسية عديدة، بجانب تمثيلها في السلطة بصورة عادلة من وجهة نظرها. وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني، وعضو وفد الحرية والتغيير إلى القاهرة، عمر الدقير، إن تعديل الوثيقة الدستورية “مازال ممكناً ولم يفت أوانه للإضافة في بند السلام”. ويدور نقاش مستفيض حول هذه المسألة، وتأثير عنصر الوقت على التوقيتات الخاصة بالمرحلة الانتقالية، حيث تصمّم الجبهة الثورية على مطلبها، وترى قيادات في تحالف الحرية والتغيير أن هذه الخطوة قد تستغرق وقتا، وتعيد الحوار للمربع الأول، لأن فتح الوثيقة الدستورية تترتب عليه مآخذ تشجع القوى الرافضة لها على المزيد من التصعيد السياسي. وشدد الدقير في تصريحات إعلامية، على الالتزام بموعد تشكيل الحكومة، وهياكل السلطة الجديدة، مع نهاية أغسطس، وعدم تأجيل إعلان الحكومة لمدة شهر لإلحاق قوى الجبهة الثورية. وأدى تصميم الجبهة الثورية على مطلبها إلى استعدادها للموافقة على تأجيل إعلان الحكومة لمدة شهر، كي يأخذ التعديل مساره، وتشارك في الحكومة، نافية رغبتها في المحاصصة السياسية، التي لا تتوقف قيادات في الحرية والتغيير عن ترديدها من حين لآخر. وألمح البعض من المراقبين إلى عدم استبعاد ظهور كتل تاريخية جديدة في مناطق المظالم التاريخية المعروفة بالهامش والأطراف، بإمكانها فرض واقع جديد في السودان بديلا عن الحركات المسلحة الحالية التي تواجه تراجعا شعبيا في الداخل..
مشاركة :