مع تراجع الإنتاج الصناعي في ألمانيا، ألقت عدة شركات كبرى باللوم على التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بما في ذلك صانعة البرمجيات «ساب» ومنتجة الكيماويات «باسف» والمجموعة الهندسية «سيمنز». يبدو أن التقلبات الأخيرة في الأسواق العالمية كانت مبررة، ففي ظل الحرب التجارية الشعواء التي يخوضها أكبر اقتصادين في العالم، كانت البيانات الرسمية مصدر قلق آخر إزاء مسار النمو لعدد من الاقتصادات الرئيسية، ناهيك عن الاضطرابات الحادة في الأرجنتين والعودة للحديث عن مخاوف دخول العالم في موجوة ركود وتراجع النمو الاقتصادي وهذه كلها شكلت ضغوطاً على أداء الأسواق المالية هذا الأسبوع. وكانت آخر البيانات المثيرة للقلق، تلك التي كشفت أمس الأول، عن انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.1 في المئة خلال الربع الثاني، بعدما كشفت البيانات في المملكة المتحدة عن انكماش اقتصاد البلاد للمرة الأولى منذ عام 2012، إذ تراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 0.2 في المئة. المخاوف حيال مسار النمو العالمي لم تقتصر على هذين البلدين، فالمكسيك تمكنت لتوها من تفادي الركود الاقتصادي -يعرف بأنه ربعان متتاليان من الانكماش- لكن من المتوقع أن يظل اقتصادها ضعيفاً خلال العام الجاري، بحسب توقعات لتقرير من «سي إن إن». وتشير البيانات أيضا إلى انزلاق البرازيل إلى فخ الركود خلال الربع الثاني، إضافة إلى ظهور بعض المشاكل في اقتصادي هونغ كونغ وسنغافورة -وهما مركزان تجاريان وماليان رئيسيان- وكل ذلك يحدث بالتزامن مع نمو الاقتصاد الصيني بأضعف وتيرة في 3 عقود تقريباً. المتهم الرئيسي - في ألمانيا، ألقى الاقتصاديون والمسؤولون الحكوميون باللوم في تباطؤ الاقتصاد التصديري على عدم اليقين الناجم عن الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والصين، واحتمال انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي دون التوصل إلى اتفاق يحدد العلاقات بينهما مستقبلاً، بحسب «وول ستريت جورنال». - البيانات الرسمية الصادرة من الصين ، أشارت إلى اتجاه ثاني أكبر اقتصاد في العالم نحو مزيد من التباطؤ في ظل النزاع الدائر مع الولايات المتحدة، إذ ارتفع معدل البطالة في المدن الصينية خلال يوليو إلى أعلى مستوياته منذ بدء عمليات الإحصاء والرصد. - كما جاءت البيانات المتعلقة بإنتاج المصانع، والاستهلاك، والاستثمار العقاري، دون المستويات المتوقعة، وقال اقتصاديون ومخططون حكوميون، إن الخلاف التجاري مع واشنطن أدى إلى تآكل الثقة بين الشركات المصنعة في البلاد رغم الارتفاع المفاجئ للصادرات الشهر الماضي. - تزيد التوقعات المتشائمة بشأن النمو في الصين من احتمالات اضطرار بكين إلى تطبيق تدابير تحفيزية إضافية للحفاظ على نمو اقتصادها بنسبة 6 في المئة و6.5 في المئة التي يستهدفها قادة الحزب الشيوعي الحاكم. - من جانبه، قال وزير الاقتصاد الألماني «بيتر ألتماير» في بيان: الأرقام الجديدة هي دعوة للاستيقاظ والحذر، نحن في مرحلة نمو ضعيفة، لكن لم نشهد ركوداً، الذي يمكن تجنبه إذا اتخذنا التدابير اللازمة وتعاونَ السياسيون والشركات معاً على الفور. ضغوط على صناع السياسة - مع تراجع الإنتاج الصناعي في ألمانيا، ألقت عدة شركات كبرى باللوم على التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بما في ذلك صانعة البرمجيات «ساب» ومنتجة الكيماويات «باسف» والمجموعة الهندسية «سيمنز». - واجهت برلين ضغوطاً لتخفيف سياستها المالية الصارمة لدعم طلب المستهلكين والاستثمار في الداخل لتعويض أثر ركود الصادرات، وظلت تقاوم هذه الضغوط إلى الآن، رغم أنها تخطط لتخفيضات ضريبية معتدلة وسياسات جديدة سيتم الكشف عنها في الخريف. - البنوك المركزية في آسيا بدأت بالفعل خفض أسعار الفائدة، وكانت الهند ونيوزيلندا من بين أوائل من فعلوا ذلك، مع خفض الاحتياطي الفدرالي للفائدة أواخر يوليو، قبل أن تلحق بهما تايلاند والفلبين الأسبوع الماضي. - البيانات الأخيرة تزيد الضغط على البنك المركزي الأوروبي لإطلاق حزمة تحفيز جديدة خلال اجتماع السياسة المقبل في الثاني عشر من سبتمبر أملاً في إنعاش الثقة، علماً أن رئيس البنك وعد في وقت سابق بسلسلة إجراءات قد تشمل خفض الفائدة ومئات مليارات من اليورو لشراء السندات. - قال مسؤول أميركي مشارك في المحادثات التجارية، إن جولة المفاوضات الجديدة مع الصين والتي ستنطلق في واشنطن الشهر المقبل، من غير المرجح أن تحقق تقدم إذا استمرت بكين في رفض التغييرات الهيكلية للسماح للشركات الأميركية بالمنافسة على قدم المساواة مع نظيرتها الصينية. عدوى الأسواق الناشئة - كما لو أن المخاوف من الحرب التجارية وضعف بيانات النمو في الاقتصادات الرئيسية ليست كافية، عادت اضطرابات الأسواق الناشئة لتزيد قلق المستثمرين إزاء آفاق النمو العالمي واحتمالات انتقال العدوى من سوق لآخر. - خلال تعاملات الاثنين الماضي، هبط البيزو الأرجنتيني بنحو 30 في المئة ليسجل أدنى مستوياته على الإطلاق أمام الدولار الأميركي، وانخفض سوق الأسهم بأكثر من 30 في المئة، وهي ثاني أكبر وتيرة تراجع منذ عام 1950، وذلك بعد تفوق المعارضة في الانتخابات الرئاسية الأولية. - يقول مدير الاستثمار لدى «فيدليتي إنترناشونال»، «أندريا إيانيلي» في مقابلة مع «سي إن بي سي»: من الصعب عزل انهيار الأسهم والعملة الأرجنتينية، من المرجح أن نوعاً من العدوى سينتشر، لكن دعونا لا نهلع كون الأسواق الناشئة تتصدر المشهد. - مع استمرار خفض الفدرالي للفائدة وتخفيف السياسات النقدية العالمية ستكون الأمور أهدأ، ومن المحتمل أن تستفيد الأسواق الناشئة من تراجع تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة لأنها تمنحها مساحة لخفض الفائدة والعودة إلى مسار النمو المتزايد. - كل ذلك يضيف إلى مخاوف المستثمرين المتزايدة بفعل الإشارات التحذيرية لأسواق السندات، ووفقاً لمسح أجراه «بنك أوف أميركا» فإن أكثر من ثلث مديري الأصول يتوقعون ركوداً عالمياً خلال الاثني عشر شهراً القادمة.
مشاركة :