هل كنا في العقود القريبة أكثر تمدنا، بعدما استقررنا في المدن وعشنا عيشة أهلها. وتكيّفنا مع أجوائها واعتقدنا أننا في مرحلة الرقيّ والحضارة والعمران. كنا نأكل على السفرة، وهي مصنوعة من الخوص على شكل دائري، ويسهل طيها وتنظيفها، وكذا تعليقها توفيرا للمساحة. ثم مررنا برحلة افتراش الصحف اليومية لتقديم الطعام، وتلك ممارسة العزاب، ثم مررنا بمرحلة البساط البلاستيكي (السماط)، وفي بعض النواحي لا يزال قائما. الموائد الكبيرة جاءت حديثا، وكلما برزت جودة الخشب وزادت الزخارف كبُر مقام المضيّف. لغةً إذا قلنا مائدة فهي عليها طعام، وإلا نقول نُضد أو منضدة وفي العامية أهل الخليج والعراق يقولون «ميز».. وأيضاً تأتي كلمة «طاولة». وسؤالي قائم.. بغض النظر عن المسمى.. فالمائدة وكراسيها جزء لا يتجزأ من أثاث المنازل والقصور.. لكنها لا تُستعمل.. فقط تضيّق..! فأسلوب ومعايشات حياة العصر جزّأت الوقت.. فالهوة قائمة بين خروج الأب موظفاً كان أو رجل أعمال، وبين خروج الصغار من المدارس.. نأتي إلى وجبة الصباح أو الفطور.. فالقلة من طلاب المدارس تفطر، كما يظهر لنا في الروايات الغربية.. والعربية أيضاً حيث تجتمع الأسرة مهما كان مستواها على مائدة الإفطار. وفي الغرب يجتمعون على الإفطار والعشاء فقط.. واختفى «السماط» وقبله «السفرة» في المناسبات، وحل محله «بوفيه» حتى أطلق العامة كلمة «بوفيّه» بتشديد الياء على الدكاكين الصغيرة التي تبيع الطعام.. وهذا دليل تمكّن الكلمة من حياتنا الغذائية والنفسية والمفرداتية. أقول إن الأسرة لا تجتمع على مائدة الطعام لأنه في العطلة الأسبوعية الدراسية يقضي أغلبية الطلاب والطالبات صباحاتهم في النوم، بعد سهر الليل.. إذاً لماذا جئنا بالمائدة وكراسيها الثمينة؟! عرفتُ صاحب متجر يفتح طوال الأربع والعشرين ساعة بالمناوبة مع أبنائه ويقع الدكان ضمن منزله.. ومرة جاءه أحد أصحاب النوادر وقال له: وراك ما تبيع الباب، له سوق لدى محبي التراث! لمراسلة الكاتب: aalthekair@alriyadh.net
مشاركة :