حوار: نجاة الفارس أكد الكاتب والروائي الفلسطيني محمود حبوش أن الإمارات تعيش طفرة ثقافية هائلة منذ سنوات طويلة، مضيفاً أن الأدب والفن يعززان ثقافة التسامح عن طريق المساهمة في الخطاب المضاد للأفكار المتطرفة، فالعمل الفني أو الأدبي الراقي يدهش المتلقي إلى حد الصدمة، وينقله إلى حالة من الخشوع في محراب الجمال. وقال في حوار ل «الخليج» طموحي أن أستمر في الكتابة وأن تعكس كتاباتي ما يجول بالفعل في أعماق نفسي من غير أن يكون المُنتَج نوعاً من السيرة الذاتية.*كيف كانت بداية رحلتك مع الكتابة؟- رحلتي مع الكتابة قديمة، بدأت في المرحلة الإعدادية بمحاولات شعرية، ثمّ تكثفّت في المرحلة الثانوية بالكثير من الخواطر واليوميات والشعر والقصة وحتى بعض المقالات. نشرت وقتذاك عدداً قليلاً من تلك المحاولات في إحدى الصحف المحلية في فلسطين، بعد ذلك، ومع انشغالات الجامعة والعمل، ثم الحياة الأسرية، بقيت الرغبة في الكتابة موجودة غير أن الإنتاج كان قليلاً، أنشر قدراً من تلك الكتابات في موقعي الشخصي.*كيف تنتقي كتبك وما المجال المفضل لديك في القراءة ؟- التحدي الأكبر الذي أواجهه في القراءة هو إعطاء الأولويات وليس إيجاد ما أقرأه، بمعنى أنه يوجد لدي، على الأقل حالياً، قائمة طويلة جداً من الكتب التي أود قراءتها، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية، ويغلب على هذه القائمة كلاسيكيات الأدب والفلسفة والفكر، وكثيراً ما أسأل نفسي هل ينبغي أن أكتفي بقراءة أشهر عمل للكاتب أم أن أقرأ أكبر قدر من أعماله، ما لاحظته هو أنه مع عمالقة الفكر والإبداع كأفلاطون وتولستوي وابن رشد ونجيب محفوظ، من الصعب الاكتفاء بقراءة بعض أعمالهم، فكل، أو لنقل معظم، ما كتبوه يزخر بالجواهر النفيسة، سواء كان ذلك من جهة سبرهم العميق للنفس البشرية أو أفكارهم أو لغتهم.*حدثنا عن روايتك «الفتى الذي لم يضحك» وما المحور الرئيسي فيها؟- ولدت فكرة الرواية من لعبة تَخَيُّل عفوية حاولت فيها تصور إنسان مخالف للاستنتاج المنطقي القائل إن كل إنسان يضحك، وهو ما تعالجه الرواية بشكل أو بآخر، لكن سرعان ما فرضت هذه الشخصية المُصنّعة نفسها من خلال عقلانيتها الشديدة، إذ في غياب المشاعر كان لا بد للعقل من السيادة المطلقة، كَتَبتُ النص عندما كانت داعش لا تزال تسيطر على مناطق شاسعة من سوريا والعراق، وكنت أشعر بأن المنطقة تعيش في عصر مظلم من اللاعقلانية، من جنون التطرف، فكانت غلبة العقل في شخصية البطل نوعاً من الهروب بالنسبة لي من الواقع البغيض أو ربما شكل من العلاج من الصدمة التي خلفتها همجية داعش، فالرواية تعالج أساساً قضايا في صميم واقعنا المعاصر مع أنّ الفترة التي تخيلتها هي في حدود القرن الرابع عشر الميلادي.*إلى أي مدى ترى أن الآدب والفنون تسهم في نشر ثقافة التسامح في المجتمعات؟- يمكن للأدب والفن تعزيز ثقافة التسامح بالمساهمة في الخطاب المضاد للأفكار المتطرفة والعقائد العنيفة، ولست أقصد أن يتحولا إلى وسيلة دعائية أو وعظية، فهذا سيحرمهما من رونقهما وعفويتهما وتأثيرهما، فإن أي فنان أو أديب يتحلى بضمير إنساني واعٍ، وهو أمر مهم للغاية، سينتج بالضرورة عملاً يفهمه ويتعاطف معه الناس من مختلف الثقافات؛ وهذا في ظني هو جوهر التسامح، أي أن نكون قادرين على تفهم الآخر والتعاطف معه، لكن تبقى المهمة هنا، كيف نجعل الأدب والفن أكثر وصولاً لكي يتحقق تأثيرهما في المجتمع.*ماذا عن مشروعك الأدبي المقبل؟- أتمنى، إن يتسع الوقت لذلك، هو أن أتبع هذه الرواية بأخرى في أقرب وقت ممكن، لم تتبلور لدي فكرة كاملة بعد، إلا أنني أسجل ملاحظات من وقت لآخر ريثما تختمر في ذهني فكرة يمكن تنفيذها، الحبكة في روايتي الأولى كانت بسيطة جداً وكان التركيز على الأفكار أكثر، فهل سأعيد الكرة؟ لا أدري، لكن ما أعرفه الآن هو أنها لن تكون تاريخية.*كيف تنظر إلى المشهد الثقافي في الإمارات؟- الإمارات تعيش منذ سنين طفرة ثقافية هائلة، تُوِّجت بافتتاح متحف اللوفر- أبوظبي في 2017، ولدينا مهرجانات فن أبوظبي وفن دبي وبينالي الشارقة، ونرى الكثير من الفنانين اتخذوا الإمارات مقراً لهم، وهو أمر طبيعي لتوافر البنية التحتية والتشجيع الحكومي والاستقرار والتنوع السكاني، وهي أمور جاذبة للمبدعين من كل صوب، وعلى مستوى الأدب، يكفي الحديث عن الجائزة العالمية للرواية العربية، البوكر، التي أصبحت حدثاً سنوياً يترقبه القراء العرب بشغف، وهذا غيض من فيض، فالجوائز والمهرجانات في كافة المجالات الثقافية أكثر من أن أحصيها، وهي تظهر الاهتمام الكبير الذي توليه الإمارات للثقافة والإبداع بكافة ألوانه.*ما علاقتك بالفنون الأخرى كالشعر و الرسم والموسيقى والمسرح؟- أقدر الفن بجميع أشكاله من غناء وموسيقى ومسرح وشعر، والأدب بلا شك هو لون من الفن، تستهويني الفنون التشكيلية كثيراً وأحرص دائماً على زيارة المعارض الفنية خلال سفري، وكما الأمر في الأدب، تجد الكثير من اللوحات والمنحوتات التي تعطيك إحساساً بما وصفه إيمانويل كانط وغيره بالجليل أو المهيب، بمعنى أن العمل الفني أو الأدبي يدهشك ويعجبك إلى حد الصدمة، وينقلك إلى حالة من الخشوع في محراب الجمال.
مشاركة :