إن صعود الصين اليوم يشبه إلى حد كبير صعود الولايات المتحدة في أواخر القرن الـ19. رغم أنها كانت تشهد نموا سريعا وتعمل على اللحاق بركب البلدان الأوروبية إلا أنها كانت تعاني الاعتلال الذي يصيب الاقتصادات النامية والمتمثل في أسواق رأس المال غير المتطورة. وشابت نظام حوكمة الشركات مشكلات وأزمات مصرفية تحدث بانتظام، وحال ضعف الوسطاء الماليين ونقص الأصول المالية إلى جانب عدم وجود مقرض أخير دون الحشد الفعال لرؤوس الأموال. كذلك فإن تقلبات الاقتصاد الأمريكي وحالة الذعر المالي في الولايات المتحدة عام 1873 انتقلت بالكامل إلى أوروبا وبريطانيا العظمی، اللتين عانتا انكشافا كبيرا لمخاطر الاقتصاد الأمريكي. وهذا يطرح ثلاثة أسئلة حول مستقبل الصين والتعاون الدولي العالمي. السؤال الأول: يتعلق بالرغبة في سرعة تحرير القطاع المالي وانفتاحه في الصين. فمن وجهة نظر الصين، قد يؤدي تحرير القطاع المالي واندماجه إلى تخصيص أفضل لرأس المال المالي، وسيؤدي ذلك أيضا إلى تقييد السياسة. فعندما يخضع بلد ما للفحص الصارم من جانب المستثمرين العالميين، يضيق المجال أمام اتباع سياسات غامضة أو غير مستقرة أو غير مسؤولة وكلها تكون أكثر قبولا خلف الأبواب المغلقة. السؤال الثاني يتعلق بما يريده العالم، وإلى أي مدى ينبغي أن يعلن عما يريده. فما زال العالم يصارع التعارض بين السياسات المحلية والضرورات الدولية، وأحيانا ما تكون هناك ازدواجية في المعايير. فـ"الاحتياطي الفيدرالي" يؤكد أنه يضع سياساته على أساس المصالح الأمريكية وليس المصالح العالمية، لكن السياسة النقدية الأمريكية تؤثر بشكل كبير في بقية العالم. فهل من الواقعي أن نطلب من الصين أن تضع سياساتها المالية على أساس المصالح العالمية بدلا من مصالحها الخاصة؟ أما السؤال الثالث فيتعلق بالتعاون الدولي الذي سيكون ضروريا في المستقبل إذا ما تبنى "الاحتياطي الفيدرالي" وبنك الشعب الصيني، ولكل منهما سلطته الخاصة وهدفه الخاص، رؤيتين مختلفتين وربما متعارضتين عن العالم. وقد كان التعاون إلى حد كبير مطمحا لنظام بريتون وودز والأجزاء السابقة من نظام سعر الصرف المرن، ومجموعة السبع، واتفاقية بلازا لعام 1985. ورغم أن الحديث لم يعد يتطرق له غالبا، إلا أن هناك حاجة ماسة إلى عودته إلى طاولة النقاش. وعلى الجانب الإيجابي، ستكون الصين ركيزة للطلب في العالم، خاصة لأن عجز الطلب الكلي في الاقتصادات المتقدمة قد يشكل عبئا دائما. ويمكن أن تكون الصين أيضا مصدرا إضافيا لتنويع المحافظ الاستثمارية والعملات على مستوى العالم، بل قد يكون الرنمينبي عملة بديلة من عملات الاحتياطي. نحن نعيش في عالم من النماذج المتغيرة. والسؤال الذي يطرح نفسه غالبا هو: "هل الصين مستعدة للانفتاح؟". وقد يكون السؤال الحقيقي هو: "هل العالم مستعد؟".
مشاركة :